• ×

03:06 مساءً , الخميس 23 شوال 1445 / 2 مايو 2024

النجاة من حقوق العباد

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد للهِ الخالقِ المتفرِّد بالخلقِ والإيجاد، جامعِ الأولين والآخِرين ليومِ الفصلِ والحُكمِ والميعاد.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له،وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه،خيرُ العباد،هدانا لطريقِ الهدى والرشاد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ليوم الميعاد أما بعد..فيا أَيها المسلمون..فاتقوا الله واعلموا..أنَّ الحقوقُ في الإسلامِ مُصانَةٌ،والمؤمنُ الحقُّ مَن عَرَف الحقَّ والتزمَ بهِ وصانَه، فما أرسلَ اللهُ الرسلَ وأنزلَ الكتبَ إلاَّ لإحقاقِ الحقِّ وإقامَةِ العدلِ؛ فلا يُضَيَّعُ على صاحبِ حقًّ حقَّه،ويؤدَّي بل يجبُ أداؤُه لَهُ بكلِّ أمانةٍ ودقَّةٍ، وبذلكَ يعمُّ الحبُّ وينتشرُ الصفاءُ، وتنعدمُ البغضاءُ وينمحي الجفاءُ،أليس اللهُ تعالى يقول..(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ(لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)والإنسانُ قائمٌ بدينه سعيدٌ في نفسه وأسرته ومُنتجٌ لوطنهِ ومجتمعِه إذا قام بالحقوق والواجباتُ له أوعليه،وأول الحقوق الواجبة على العبد حق الله تعالى ثم حقوق الخلق فإنَّ من ضيَّع حقوقَ ربِّ العالمين فالضرر عليه دنيا وآخرة،فالله غنيٌّ عن العالمين(إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)وقال تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)وحقُّ الربِّ هو التوحيد،وَعدَ الله عليه أعظمَ الثواب،(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ*هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ)ومن ضيَّع حقَّ الله عز وجل بالشرك به،واتخذ وسائط من يعبُدهم ويدعُوهم لكشف ضُرٍ وكُربات أو قضاء حاجات،ويتوكَّل عليهم،فقد خابَ وخسِرَ وأشركَ،وضلَّ سعيُه،فلا يقبلُ الله منه عدلاً ولا فِدية،ويُقال له..ادخل النار مع الداخلين،إلا إن تاب ووَّحد الله بالحديث(يُقال للرجل من أهل النار.. لو أن لك ما في الأرض هل تفتدي به من النار؟فيقول..نعم..فيُقال له..قد أُمِرتَ بما هو أيسرُ من ذلك،ألاَّ تُشرِك بالله شيئًا)رواه البخاري الحياة لا تتوقف على نَيل الإنسان حقوقَه الواجِبة له،وعند الله تجتمِعُ الخُصوم، فيُعطِي اللهُ المظلومَ حقَّه ممن ظلمَه وانتقَصَ حقَّه وضيَّع حقَّه..وفي طليعةِ حقوقِ ضمِنَهَا الإسلامُ للإنسانِ حقُّ الحياةِ، فهذا حقُّ مُصَانٌ ومكفولٌ لكلِّ إنسانٍ، مهما كان،فالاعتداء على هذا الحقِّ جرمٌ شنيعٌ، وتصرّفٌ مُرِيعٌ وسلوكٌ جدُّ فظِيع، واعلموا أنَّ قتلَ نفسٍ واحدةٍ والمشاركة به هو كقتلِ الناسِ جميعاً،قال الله(أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً( وكذلك الظلم لذلك حرَّمَ الإسلامُ الاعتداءَ على حقِّ حياةِ الآخرينَ،بل حَرَّمَ الاعتداءَ على الَّنفْسِ،فقاتلُ نفسِه خَسِرَ دنياهُ وأُخرَاه وذلكَ خسرانٌ مبينُ،يخَسِرَ به دنياه لأنَّه حَرَمَها حقَّ الحياةِ،ويخَسِرَ أُخرَاهُ لأنَّ اللهَ حرَّمَ عليهِ الجنَّةَ، وجعَلَ النارَ مثواهُ ومأواه،(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً(من المهم أن يُوفَّرَ للإنسان حياةٌ كريمة بإعطائه حقوقه التي هي له كلها وعدم التجاوز عليها والظلم بها فالله خلق البشر أحراراً متساوين[فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه]وهناك حقوق غير حقوق الحياة كحق العرض والمال بعدم التعدّي عليهما..
أيٌّها المسلمون..حقوقُ العبادِ أمرُها شديد، قال عبدُ الله ابن الزبير رضي الله عنهما..لما نزل قول الله(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ، ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُم تَختَصِمُونَ)قالوا يا رسولَ الله..أيُكرَّرُ علينا ما يكونُ بيننا،مع خواصِ الذنوب، قال.. نعم ليُكرَرَنَّ عليكم حتى يُرَدَّ إلى كلِ ذِي حقٍّ,حقه، قال الزبير..واللهِ إنَّ الأمرَ لشديد)أخرجه الترمذي وكتبَ رجلٌ إلى ابن عمرٍ رضي الله عنهما..أن اكتب إليَّ بالعلمِ كله،فكتبَ إليه..(إنَّ العلمَ كثيرٌ ولكن إن استطعت أن تلقى اللهَ خفيفَ الظهرِ من دماءِ الناسِ،خميصَ البطنِ من أموالهم،كافَ اللسانِ عن أعراضهم، لازمًا لأمرِ جماعتهم فافعل)قال صلى الله عليه وسلم(الدَّوَاوِينُ عِندَ اللَّهِ عز وجل ثَلاثَةٌ..دِيوَانٌ لا يَعبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيئًا،وَدِيوَانٌ لا يَترُكُ اللَّهُ مِنهُ شَيئًا،وَدِيوَانٌ لا يَغفِرُهُ اللَّهُ،فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لا يَغفِرُهُ اللَّهُ فَالشِّركُ بِاللَّهِ،ثم قرأ(إِنَّهُ مَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَد حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الجَنَّةَ)وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لا يَعبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيئًا، فَظُلمُ العَبدِ نَفسَهُ فِيمَا بَينَهُ وَبَينَ رَبِّهِ،مِن صَومِ يَومٍ,تَرَكَهُ أَو صَلَاةٍ,تَرَكَهَا،فاللَّهُ عز وجل يَغفِرُ ذَلِكَ، وَيَتَجَاوَزُ إِن شَاءَ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لا يَترُكُ اللَّهُ مِنهُ شَيئًا،فَظُلمُ العِبَادِ بَعضِهِم بَعضًا القِصَاصُ لا مَحَالَةَ)وحقوقُ العبادِ مبنيةٌ على المُشاحَّة،وحقوقَ اللهِ مبنيةً على المسامحةِ،عدا الإشراكُ به سبحانه قال صلى الله عليه وسلم(يقتص الخلقُ بعضهم من بعض حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلحَاءِ التي ليس لها قرون مِن الشَّاةِ القَرنَاءِ)رواه مسلم فإن كانَ عندكَ مظالمُ لغيرك، أو حقوقٌ فعليك فلتتحلَّلْ منها اليومَ قبلَ العرضِ على الحَكَمِ العدل، الذي لا يَظلمُ الناسُ شيئاً، ولكنَّ الناسَ أنفسهم يظلمُون.قال صلى الله عليه وسلم(مَن كَانَت لَهُ-أي عليه- مَظلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِن عِرضِهِ أَو شَيءٍ,فَليَتَحَلَّلهُ مِنهُ اليَومَ قَبلَ أَن لا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرهَمٌ،إِن كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنهُ بِقَدرِ مَظلَمَتِهِ،وَإِن لَم تَكُن لَهُ حَسَنَاتٌ،أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيهِ)رواه البخاري.فليحذرِ المسلمُ والمسلمةُ من الظلمِ، فإنَّ الظلمَ ظُلماتٌ يومَ القيامة.
عبادَ اللهِ ..إنَّ منَ حقوقِ العباد حقَّ العِرضِ؛فالخوضُ في أعراضِ الناسِ جريمةٌ نكراءُ وفعلةٌ شنعاءُ، وقد أكّدَ صلى الله عليه وسلم ذلك ووثَّقَه،وثبَّتَه وحقَّقَهُ،في أعظم خطبةٍ في الحجِ قال(إنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحرمةِ يومِكم هذا،في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا، ألا هل بلَّغْتُ؟)واستطالَةُ المرءِ في عِرْضِ أَخيهِ واتهامُه وتصنيفهُ وغيبتُه..إثمٌ وبهتانٌ عظيمٌ،فتجدُ بعضَهم يُصلِّي ويتورعُ عن أكل الحرام لكنَّ حقوقَ الناسِ عنده وأعراضهم يَنالُ منها!!يقول صلى الله عليه وسلم- لأصحابِه (أتدرون أربى الربا عند اللهِ؟ قالوا.. اللهُ ورسولُه أعلمُ، قالَ.. فإنَّ أَربى الربا عندَ اللهِ استحلالُ عرضِ امرئٍ مُسلِمٍ))،ثم قرأَ(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً(
وهناك حقوق الوالدين ببرهما وذوي القرابة بصلة الرحم معهم وحق ذي الجوار والتعامل الحسن مسلماً أو غير مسلم(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ)،قال صلى الله عليه وسلم(واللهِ لا يؤمنُ،واللهِ لا يؤمنُ، واللهِ لا يؤمنُ،قيل..مَنْ يا رسولَ اللهِ؟قال..الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه)ومِنَ الذين يجبُ إعطاؤُهم حقوقَهم العمالُ وأصحابُ العملِ،وكما لصاحب العمل حق فللعامل حق الأجرة على ما عمل حقٌّ يجبُ صيانَته وتلزمُ حمايتَه وهناك حقوقٌ بين الأزواج وداخلَ الأسرة(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)وحقوقُ التعليمِ والصحةِ والعيش الكريم..وإنَّ المجتمعَ الذي يأْمنُ فيه كلُّ إنسانٍ على حقِّه مجتمعٌ يعملُ بهمَّةٍ وإخلاصٍ ونشاطٍ وحيويةٍ،وفي ظلالِ ذلك يترسخُ حُبُّ وإخاءُ،وتنمحي أثرةُ وأنانيةُ،ويزدهرُ اقتصادُه ويعمُّ رخاؤه،ويصبحُ الجميعُ آمنينَ، ويَمْسُونَ مُطْمَئِنينَ، وينامونَ متفائلينَ، فلا مكانَ للقلقِ، ولا سببَ يدعو إلى أَرَقٍ. فالمرءُ إذا اطمأنَّ على وصولِ حقوقِه إليه انطلقَ في مناكِبِ الأرضِ يُعَمِّرُ ولا يُدَمِّرُ،ويَبني ولا يَهْدِمُ،ينفعُ نفسه وغيرَه،يدفعُه التفاؤلُ والأملُ لقولِ الخيرِ وإصلاحِ العملِ.فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ،وأدّوا لكلِّ ذي حَقٍّ حقَّه،تَسْعَدُوا ويَسْعَدَ غيرُكم، ويَعُمّ نفعُكم وخيرُكم..وأدٌّوا الحقوقَ التي عليكم،واعتبروا بعملِ الصالحينَ قبلَكم..فمن الظُلمِ وتجاوزِ الحدودِ في الحقوقِ أكلُ أموالِ الناسِ بالباطلِ، كالسرقةِ،والاختلاسِ،والفساد واستغلال المال العام وجحدِ العاريةِ،وأكلِ مالِ اليتيمِ ظُلمًا،وغصبِ الأرضِ وأخذها بغيرِ حقٍّ,قال صلى الله عليه وسلم (مَن ظَلَمَ قِيدَ شِبرٍ,مِن الأَرضِ طُوِّقَهُ مِن سَبعِ أَرَضِينَ)رواهُ البخاري فقيد شبرٍ من الأرض،إشارةٌ إلى استواءِ القليلِ والكثيرِ في الوعيد.لقد كانَ السلفُ الصالحِ عليهم رحمةُ الله يحذرونَ من حقوقِ العبادِ، ويخافُونَ من سُوءِ الحسابِ، كتبَ رجلٌ لابنِ عمرٍ رضي اللهُ عنهما أن اكتب إليَّ بالعلمِ كلهِ، فكتبَ إليه..(إنَّ العلمَ كثيرٌ ولكن إن استطعت أن تلقى اللهَ خفيفَ الظهرِ من دماءِ الناسِ، خميصَ البطنِ من أموالهم، كافَ اللسانِ عن أعراضهم، لازمًا لأمرِ جماعتهم فافعل)وعن عوفِ بن حارثِ- رضي اللهُ عنه- قال سمعتُ عائشةَ- رضي الله عنها- تقولُ.. دعتني أمٌّ حبيبةَ عندَ موتها- رضي الله عنها- فقالت.. قد كانَ يكونُ بيننا ما يكونُ بين الضرائرِ، فغفرَ اللهُ لي ولكِ ما كانَ من ذلك، فقلتُ.. غفرَ الله لكِ كلَهُ وحَلَلَكِ من ذلك، فقالت سررتِني سركِّ الله، وأرسلت إلى أمِّ سلمة، فقالت لها مثلَ ذلك وعن عطاءِ بن أبي رباحٍ,- رحمه الله -قال.. حدثتني فاطمةُ امرأةُ عُمرَ بنِ عبدِ العزيز عليهم رحمة الله- أنَّها دخلت عليه، فإذا هُو في مُصلاهُ، يدُه على خدهِ، سائلةٌ دموعُهُ، فقلتُ يا أميرَ المؤمنين،ألشيءٍ, حدث؟ قال يا فاطمة.. إني تقلدتُ أمرَ المسلمين، فتفكرتُ في الفقيرِ الجائع، والمريضِ الضائع، والعاري المجهود، والمظلومِ المقهور، والغريبِ المأسور، والكبيرِ، وذي العيالِ، في أقطارِ الأرضِ، فعلمت أنَّ ربِّي سيسألُني عنهم، فرحمتُ نفسي وبكيت -عليه رحمةُ الله- ورضوانُه..اللهم أنجن من حقوق العباد ومن سلم من حقوقهم فقد نجى..وبعض الناس لا يُبالي بما يطالبه الناس من أموال ولا حقوق ..
أيٌّها المسلمُ..عليكَ أن تتداركَ أمركَ قبلَ حلولِ أجلكَ،وذلكَ بردِّ الحقوقِ إلى أهلِها،أو باستعطافِهم للحصولِ على مُسامحتِهم وعفوهم، قبلَ يومِ الجزاءِ والقصاص،نسألُ اللهَ تعالى أن يكفيَنا بحلالهِ عن حرامه،وأن يُغنيَنا بفضلهِ عمن سِواه،وأن يُعيذَنا من شرورِ أنفسنا،ومن سيئاتِ أعمالنا.

 0  0  520

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.