• ×

07:12 مساءً , الجمعة 9 ذو القعدة 1445 / 17 مايو 2024

مقاصد العبادات

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإيمان..ولك الحمد أن جعلتنا من أمة الإسلام.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام وأشهد أن محمداً عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أن الله خلق الإنس والجن لعبادته ونوّعَ العباداتِ مما يَستوجبُ لله الحُبَّ والخضوعَ،وحُبُّ الله باتباع أوامره واجتناب نواهيه ابتغاءً للوسيلة لمحبّةِ الله وطمعاً في رضاه ومغفرته مصداقاً لقوله تعالى(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)فالعبادةُ الحَقَّةُ تقومُ على الخضوعِ لله،وإخلاصِ المحبةِ له،وعدمِ الشركِ به..ولذلك فعلى المسلم أن يَتعرَّفَ على مقاصدِ العبادات،ليُؤدِّيها كما يَنبغي دفعاً للغفلة والتغافل، ومسارعةً إلى الخيرات،وطرداً لوساوس الشيطان وشكراً كثيراً لله..
أيها الإخوة..هناك مقاصدُ عامة مشتركة في جميع العبادات،كتوحيد الله والإخلاص له(وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) ويقول صلى الله عليه وسلم(إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ،وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)فالإخلاصُ في العبادة بجعلها لله وحده وتركِ الرياءِ فيها،والإخلاصُ في العمل هو أداؤه مُتقناً بأمانةٍ وصدقِ مُراقبة.
فجميعُ العباداتِ تؤدَّى بهذا المقصد، فلا يجوزُ التوجّهُ والعبادةُ إلا لله وهذا مقتضى شهادة التوحيد لا إله إلا الله وحده،قال تعالى(إني وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)ولا عملَ بدون نية؛ فهو فالصلاة لله وكذلك الزكاة والصوم والحجّ لله.. وإن فعل غير ذلك لا يقبل منه هذا العمل(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)ومن هذه المقاصد ربطُ العبادِ باللهِ سبحانه فالعباداتُ كلها تَرْبطُ الإنسانَ بالله في تَوجُّههِ وحياتِه،وبأدائها فهو يُصلِّي باليومِ خمسَ مرات،غير النوافل ويؤدي زكاة ماله، ويصومُ على الأقل شهرًا كل عام،ويحجُّ إن استطاع،وكل ذلك يجعلُ الإنسان دائماً لربه،مرتبطًا به جل وعلا..مُستشعراً افتقارَه دوماً لله فالمؤمنونَ يراقبونَ اللهَ في عباداتهم،فيحقّقونَ العبوديةَ،راجين ثوابَه وجَلين من عقابه وهل قُبِلَت أعمالُهم فيَحمدون الله،أم رُدَّت عليهم عياذاً بالله؟!وهذا يُحقِّقُ مَقْصِدَ العبوديةِ الخالصةِ لله عزَّ وجل ثم متابعتُه صلى الله عليه وسلم واتِّباعَه كما أدَّاها وهذا مقصدٌ مُهم.
ومن مقاصد العبادات التخفيفُ ورفُع الحرج وتلك من نعم الله علينا أن جعلَ التخفيفَ ورفعَ الحرج مقصداً لها)يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)
فشُرعَ قصْرُ الصلاةِ والجمع في السفر وحالَ المرض ولا زكاةَ إلا ببلوغ النصاب وعُفي عن الصومِ للمريض والمسافر والحجُّ لمن استطاع إليه سبيلاً مرةً في العمر..ومن المقاصدِ العامة للعبادات تهذيبُ وتطهيرُ النفوس تُهذّبُ النفسَ،وتُطهرُّها،وتُصحّحُ النفوسَ؛فالصلاة (تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)والزكاة(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)وفي الصيام لعلكم تتقون ويقول صلى الله عليه وسلم(مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )رواه البخاري و(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) وغاية مناسكه التوحيدُ وإعلاءُ ذكر الله..
أيها الأحبة..هناك مقاصدُ عامَّة للعبادات كالحثِّ على وحَدَةِ الأمة واجتماعها بالحثِّ على أداء بعضها جماعةً،ورفَعَ اللهُ شأنَ القيام بها جماعةً في الصلاة..والصيامُ يصومون شهرًا واحدًا،برمضان،يُمسكون ويفطرون في وقت واحد،وفي الزكاة..يقفُ الأغنياء بجانب الفقراء، فيحصلُ تكافَلٌ وتعاون،وفي الحجِّ يؤدَّون المناسكَ في وقتٍ واحد،ومناسك واحدة،وزيِّ واحد..ومن هذه المقاصد تأكيدُ مبدأ المساواة الذي أكَّدَه الإسلامُ من خلالِ العباداتِ التي فرضَها اللهُ سبحانَه، فالصلاةُ اُفتِرضَت على كل بالغ عاقل..ويقفون صفًّا واحدًا،الغني والفقير والصغير والكبير والضعيف والأمير..
أيها المسلمون..مقاصد الصلاة تحقيقٌ عبوديّة الله وإعلاءُ ذكرْ الله ومَحوُ الذنوبِ والخَطايا (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)وكذلك الخشوع(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)والتذلُّل لله من قيام وركوع، وسجود ودعاء،وتلك أسمى مراتب العبودية لله سبحانه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)وهناك الألفة بين المصلّين باجتماعاتِهم في المساجدِ والجُمعة والعيدين..
أما مقاصدُ الزكاةِ فكثيرة،مع عبودية الله بأدائها منها تزكيةُ النفس والبركةُ في المال والعطاء وفيها الخيرُ والمصالحُ العامةُ والخاصة على المسلمين؛وتحقيق العدل والتكافلُ لقوله صلى الله عليه وسلم (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِى فُقَرَائِهِمْ( متفق عليه والزكاةُ تحقيقٌ للنماء على الشخص المنفق أو المتصدق أو المُزكِّي،ونماءٌ للفقير الذي أخذَ الصدقة،فيَعُفُّ نفْسَه وأهلَه؛وهي تُحقِّقُ المواساة بدعم المسلمين بعضهم بعضاً وإقامة مصالحهم وتبادل المال(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ( وهناك الأوقاف[الصدقةُ الجارية]الممتَدُّ نفعُها ولها مقاصد عظيمة لدوام منفعتها فحثَّ عليها الإسلام ورغّب بها في كل مجال.
أما الصيام فهو لله يجزي به وهو بكفِّ النفس عن الطعام في النهار فمقاصده متنوعة فالتقوى تهذب النفس والخلق وتمنعُ قول الزور ويحثُّ على السَّخَاءِ والجودِ وصحةٌ للجسد وتفرّغٌ للعبادةِ بقيامٍ واعتكافٍ وقراءة القرآن وفرصةٌ لإجابة الدعاء وجزاءه الجنة..( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)أما مقاصد الحج..(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)وتعظيمٌ لشعائرِ الله واجتماعٌ لأمةِ الإسلام وإقامة التوحيد لله وتعظيمٌ للبيت الحرام بمكة..
وباقي العبادات الأخرى المتنوّعة تحمل مقاصد تفصيليّة غير العامة التي ذكرناها أولاً فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمراحله سببُ نجاةٍ للأمة،والراحمون يرحمهم الله وعبادة الخفاء وتحفظ من الرياء ودوامُ ذكرِ الله طمأنينةُ قلبٍ وحفظٌ وتحصينٌ والمؤمن بين خوفٍ يدعوه للعبادات ورجاءً برحمة الله سبحانه والتوكّل توحيد وطلب للرزق وطلب العلم رفعة في الدنيا والآخرة والجهاد نصرة للدين والمسلمين..واجتماع الكلمة سببٌ للنجاح والنزاع فشلٌ وتدمير والعدل أساس الملك والأخلاق كمالٌ للإيمان وكسبٌ للإحسان وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان للجار وحُسن التربية سببٌ لنجاح الأسرة والمجتمع والحجابُ سِترٌ ووقاية من الشهوات والدعاء صلةٌ بين العبد وربّه والطهارة بأنواعها نظافة شخصيّة وعامة والمحافظة على البيئة إعمارٌ للأرض وتخريبها إفساد..والسِّواك مطهرة للفم مرضاةٌ للرب..وغير ذلك من مقاصد عظيمة للعبادات ينبغي أن نعرفها ونؤمن بها نسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا من عباده الصالحين المؤمنين المتقين المخلصين..أقول ما تسمعون..
أيها المسلمون ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
العبادةُ تتطلَّبُ التقيّدَ بالشرع وأوامر الله ونواهيه، وعدم الوقوع في البدع والضلالاتِ وتحليلِ الحرام أو تحريمِ الحلال مما يؤدي للشرك وإحباط العمل(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)وانحرافات الأديان كانت بسبب الغُلوِّ في الدين أوالخروج عن تعاليمه والابتداع، (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)وقال تعالى(وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)كما أن بعض المسلمين انحرفوا بالعبادة بأن أشركوا بأضرحةٍ وقبور وألياء وتلك أمورٌ مردودة وباطلة مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم.. « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا ، فَهْوَ رَدٌّ » متفق عليه .
نسأل الله تعالى أن يُلهمنا رشدنا ويصلح أمرنا ويرزقنا الإخلاصَ والمتابعة في عباداتنا ويوفقنا للصالحات ويجنّبنا السيئات ..اللهم أصلح ولاة الأمور وارزقهم البطانة الصالحة واكفنا الفتن ما ظهر منا وما بطن وكن لإخواننا المستضعفين واحم حوزة الدين يارب العالمين ..

 0  0  667

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.