• ×

06:27 صباحًا , الأحد 11 ذو القعدة 1445 / 19 مايو 2024

دَعُوا النَّاسَ فِي غَفْلَاتِهِمْ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله جعل حُسْنَ الخلق عبادة،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،في عليائه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أنَّ الإسلامَ كما أنه دينُ عقيدةٍ وتوحيد وعبادات فهو يدلُّ على حُسن الخلق والمعاملات بل ربط بين معاملة الإنسان مع أخيه بالعبادات فالإنسان بحسن خلقه يبلغُ درجةَ الصائم القائم والابتسامةُ بوجه الآخرين صدقة ويقول الله(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) والإسلامُ يحرص على تأليف القلوب،وإضفاء روح المحبة في المجتمع،وعلى التآخي والاجتماع وإصلاح ذات البين وحماية صرح الأخوّة ..ويوجهنا لنبذ كل ما يخدشها وكل ما من شأنه إحداث الخلل والنزاع..وتنظيمُ علاقات الناس فيما بينهم مطلبٌ عظيم لأنه يضمنُ الألفة لهم وعدمُ التقاطع والتدابر بينهم حتى بأبسط التصرفات إمِّا أمراً أو نهياً فالابتسامةُ سببٌ للتآلف وإفشاءُ السلام سببٌ دخولٍ للجنان..بينما الغيبة فاكهة بعض المجالس بذكرك عيبٍ حقيقيٍّ عن أخيكَ بغيبته..كبيرةٌ من الكبائر! إلقاءُ الأذى والعوائق بالطريق أذيّة وإزالتُه مزّية وهناك بعضُ عاداتٍ تحتاجُ معالجة وليس ذلك بعيب فنحن نتطوّر ونتقدّم من خلال تطبيق تعاليم ديننا وقيمنا والتذكيرِ بها(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) وكلٌّ منا له قريبٌ أو صديق صحيح أو مريض أشغلته هموم الدنيا ومصائبها والسعي للقمةِ عيالهِ وراءَها..ومع كل هذه الهموم يأتيه أحدٌ يبتليه فيسأله أو يُحّقُقُ معه وهو لا يرغبُ حول ظروفِ حياته ومرضه وغير ذلك من هموم بأسئلة إما دافعها محبةُ قلبٍ طاهر..أو زيادةُ فضولٍ ظاهر وكلاهما كما يراه العقلاء خطأ إلا من والدين أو قريب ملاصق.. والدعاء إخوتي خير وبركة وأفضل من كثرة الأسئلة يقول صلى الله عليه وسلم(دعُوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضَهم من بعض،وإذا استنصحك أخوك فانصح له)وجاء النهيُ عن أسباب إضعاف الأخوة ،بالتدخل في شؤون الناس أو استنقاصهم أو حتى منافستهم ببيعٍ أوخِطْبة زواج بالحديث[لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يَخطِبُ على خِطبة أخيه] لأن ذلك يُنافى أُخوّةَ المؤمنين،وتورثُ عداوةً وبغضاءَ أو هموماً وضيق صدرٍ للآخرين وربما كثرة الأسئلة كذلك تورث همُوماً ووساوسَ لمن يُسأل وهناك من ينشغل بعيوب الناس وينسى عيوبه ويتكلم فيهم ولايُبالي..قال أبوذرٍ رضي الله عنه؛يا رسول الله،أوصني، قال(أوصيك بتقوى الله؛ فإنها زين لأمرك كله...)ثم ذكر الحديث حتى قال قلت يا رسول الله، زدني، قال(ليحجزك عن الناس ما تعلم من نفسك أي ليمنعك عن غيبة الناس وأذاهم الذي تعلمه من نقصك في حق نفسك،وأنك في حاجة إلى إصلاح النفس، فعليك أن تشتغلَ بهذا عن ذكر الناس.وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (طوبى لمَن شغلَه عيبُه عن عيوب الناس) يقول الحسن البصري رحمه الله "يا بن آدم،إنك لن تصيبَ حقيقةَ الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك،وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب فتُصلحَه من نفسك فإذا فعلتَ ذلك كان شُغْلَك في خاصة نفسك،وأحبُّ العباد إلى الله مَن كان هكذا) يقول ابن حبان رحمه الله الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس،مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه،فإن مَن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره،أراحَ بدنَه ولم يُتعبْ قلبه،فكلما اطلّعَ على عيب لنفسه،هان عليه ما يرى مثله من أخيه،وإن مَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه،عَميَ قلبُه،وتَعِبَ بدنه ، وتعذر عليه تركَ عيوب نفسه،وإن أَعْجَزَ الناس مَن عاب الناس بما فيهم، وأعجزَ منه من عابهم بما فيه، ومَن عاب الناس عابوه"؛وقال صلى الله عليه وسلم(يُبْصِرُ أحدُكم القذَى في عينِ أخيهِ ويَنْسَى الْجِذْعَ في عينِهِ (رواه ابن حبان
فإنْ عبتَ قومًا بالذي فيك مِثلُه فكيف يصيب الناسَ من هو أعورُ
وإن عبت قومًا بالذي ليس فيهمُ فذلك عند الله والناس أكبر
قيل للربيع بن خثيم ما نراك تغتاب أحدًا؟ فقال لست عن حالي راضيًا، حتى أتفرغ لذم الناس، ثم أنشد
لنفسيَ أبكي لستُ أبكي لغيرها ♦♦♦ لنفسيَ من نفسي عن الناس شاغلُ
• يقول الحسن البصري رحمه الله "إذا رأيت الرجل يشتغل بعيوب غيره ويترك عيوب نفسه، فاعلم أنه قد مُكِرَ به".
إذا شئت أن تحيا ودينك سالم وحظُّك موفور وعرضك صَيِّنُ
لسانُك لا تذكُرْ به عورة امرئ فكلُّك عورات وللناس ألسُنُ
وعينك إن أبدتْ إليك مساوئًا فصُنْها وقل يا عينُ للناس أعينُ
البعض لا يسلم أحدٌ من انتقاصه وتشهيره بغيره ولو بلا تثبت يريدُ السؤال عن كل شيء. والتدخُّلَ فيما لا يعنيه فإذا رأى موظفاً ضعيفَ الراتب خرّب عليه وظيفته وإذا رأى زوجاً يشكو خبّبَ عليه زوجته..وإذا علم بمشكلة بين شخصين للناس بلا هدف نشر بينهما ويسأل عن أدق التفاصيل للناس بلا هدف وإنما للمعرفة إذا كانت محبّة فلها ضوابطها وآدابها بالتعاملات..فقد تنقلب لأذيّة..بعضهم حتى مشاريع الخير بالمجتمع لم تسلم من انتقاصه وانتقاد بغير حق فلا يشارك بعمل الخير ولم تسلم تلك الأعمال من شرِّه وهو آثم لا شك إن ردَّ عنها المنفقين لإشاعته!!
إخوة الإسلام لو أبصر المرءُ عيوبَ نفسه لانشغلَ بها عن عيوب الناس؛فهو مطالب بإصلاح نفسِه أولاً،وسيُسأل عنها قبل غيرها،وإذا كان العبد مشغولاً بنفسه عن غيره ارتاحت له النفوس ، وكان محبوباً من الناس،وجزاه الله تعالى بجنس عمله،فيستره ويكفُّ ألسنةَ الناس عنه،أما من كان متتبِّعاً عيوبِ الناس،متحدثاً بها،مُشنعاً عليهم مخالفاً مع الجميع دوماً،فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم،ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا؛فإنَّ من تتبَّعَ عورات الناس تتبَّعَ اللهُ عورتَه،ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته وأخطرُ الأمراض القلبية التي يُصاب بها العبدُ أن يَرضى عن نفسه، ويرى كمالَها ويغفلُ عن عيوبه،مع أنه لا يخلو إنسان من نقص وعيب وذنب وخطيئة.وإذا أراد الله بعبده خيراً صَرَفَه للاعتناءِ بعيوبِ نفسه،ومحاولةِ إصلاحها،مُنشغلاً بها، حريصاً على تزكيتها يقول سعيد بن المسيب ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب،ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكرَ عيوبه،فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصُه لفضله،ولا تذكر عيوب أهل الفضل تقديراً لهم.الله تعالى كفاك فقال (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)..والانشغالُ بعيوب الناس دليلُ ضعف بالإنسان وباب الإشاعة العداوة والبغضاء..فاتقوا الله عباد الله ولننشغل بإصلاح أنفسنا عن الانشغال بعيوب الآخرين فالله بهم عليم (اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)
اللهم ألِّف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سُبل السلام..أقول ماتسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
لا بد أن نفرّق بين النصيحة والفضيحة والحكمة تقتضي للعقلاء أن يُفرّقوا في تعاملاتهم مع الناس لاسيما مع من يحتاج للسؤال والنصح..فلاشك المريض والمُصاب يحتاج لوقفات من القرابة وذوي الاختصاص ولكن كيف تكون تلك الوقفات إذا عرفت مصاباً أو مريضاً أو مبتلى فأكثر أولاً من الدعاء له بقرارة نفسك لتبيّن إخلاصك لنفسك..وإذا قابلته أكثر له من الدعاء فلستَ طبيباً لتكثر الأسئلة ولست قريباً جداً لتقوم بعملٍ ما فاكتف بالدعاء والمحبة فمجرّد شعورك بمصاب أخيك ومرضه أنت مأجورٌ بإذن الله وهذا ينطبق على زيارة المريض التي تتعرَّض لكثيرٍ من الملاحظات حولها أكاد أجزم أن دافع أكثرها المحبّة لكنها تحتاج لآداب نتعلّمها فبض المرضى يشكو من كثرة أسئلة زوِّاره وطول مكثهم عنده وكذل بعض من ابتلاه بشيئ فكل يتدخل بشؤونه مما يدفعه لزيادة هم أو عُزلة فلنرفق بالناس ولنهتم بتعاملنا بيننا ولنكثر من الدعاء لإخواننا(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )
..وفقني الله وإياكم..



 0  0  504

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.