• ×

05:07 صباحًا , الأحد 11 ذو القعدة 1445 / 19 مايو 2024

سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله جعل السكينة طمأنينةً للصابرين،وفرجاً للمتضررين،وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أنزل سكينته عليه فثّبتَه بالقوةِ والتمكين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين إلى يوم الدين..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أنَّ العبدَ تمرُّ به ساعاتٌ حرجة,ولحظاتُ قلقٍ واضطراب لعدة أسباب,يصاحبُها خوفٌ أو همٌّ وحَزَن فيحتاج لأن تُفَتَحَ له أبوابُ السكينةِ والطمأنينة,وتغشاه الرحمةُ,ليذوق طعم الراحة والسعادة؛فالنفسُ تحتاجُ دوماً لما يُلَطِّفُ أجواءها..وتلكَ عقيدةٌ صحيحة وتوحيد وعملٌ صالح بالتعلق بالله مما يُفضي سكينةً وطمأنينةً في أحلك الظروف..هكذا الأنبياء والصالحون فموسى عليه السلام يحيط به جنود فرعون ويقول له قومه(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)فيقول(قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)فقال له الله(اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ*وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ*ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ)كل جنود فرعون غرقوا معه..الله أكبر..رسول الله مع أبي بكرٍ بالغار يُحاصره المشركون يقول له يا رسول الله لو أنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: يا أبَا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)والإمام ابن القيم في مدارج السالكين يقول كان ابن تيمية إذا اشتدت عليه الأمور قرأ آياتِ السكينة حتى يذهب عنه ما يجد(فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ )الآيات وغيرها..قال ابن القيم وأنا جربت قراءتها فأذهبت عني الهموم..

وقد وردت السكينة بهذا اللفظ ست مرات بالقرآن(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)ومنزلة السكينة كما قال ابن القيّم رحمه الله من المواهب وليست من المكاسب فهي هبة من الله لمن يشاء فليست مثل التوكل والاستعانة والاستغاثة والمراقبة وإنما هي فضل من الله لمن شاء وهي سكونٌ ينزلُه الله في قلبِ عبدهِ عند وجود المخاوف..

إنها السكينة إخوتي ينزلُها الله،من تمام نعمته على العبد بأوقات شدائد ومخاوف التي تطيشُ فيها الأفئدة، سكينة تكونُ حسبَ معرفة العبد بربه وثقتِه بوعده الصادق،وبحسب إيمانه وقربه من ربه، ولذلك رأينا أبا بكر يوم وفاته صلى الله عليه وسلم حين أظْلَمَ مِنَ المدينة كلُّ شيء، واضطربت نفوس بعض الصحابة؛"بعضهم أنكر موتَه" لكنه رضي الله عنه يأتي بثباتٍ وسكينة فيَمّمَ نحو رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه ثم أكبَّ عليه فقبَّله وبكى،ثم قال:بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين،أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مُتَّها)،ثم خرج وخطب بالناس ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم،فإن محمدًا قد مات،ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت..ثم قرأ(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)يقول الراوي وكأن الآية لم تعرفها الناس إلا الآن فثبت الناس وصبروا..

الإنسان إخوتي بدون سكينة،فريسةٌ للأوهام والشكوك التي ربما تتراكم عليه،فتحجبُ عنه الرؤية الصحيحة,فتُضيّقُ عليه..يُحاولُ التخلَّصَ من ضيق يكتمُ أنفاسَه بل بعضُهم يُنهي حياتَه عياذاً بالله من فقده لهداية العقيدة الصحيحة, والإيمانِ والعملِ الصالح.

السكينةُ الطمأنينة نعمةُ من الله ينزلُها على من يشاء من عباده؛فلا ينزعجوا لـما يصيبهم من مصائب ومحن؛قام في قلوبهم إيمانٌ راسخ،ويقينٌ صادق،واستسلامٌ لله،وتفويض الأمرِ إليه،فمتى نزلت السكينة على القلب،سكنت لها الجوارح فأصابها الخشوع؛فظهر على صاحبها الوقار، وانطلق لسانه بالحكمة والقول الصواب،فلا يضطرب ولا ينحرف بعضهم يمتلأ فقراً وسجناً ومرضاً ومُصاباً عرفت أحدهم رحمه الله تجد أن سكينةً عجيبة تملأُ قلوبه وغيرهم في الدنيا تتكبكبُ عليه الدنيا ليلاً ونهاراً وتملأ عينهَ لكنه لا ينام إلا بمسكنات ومهدّئات ومراجعة للعيادات النفسية فمن الذي جعل هذا مطمئن وهذا خائف؟!الله سبحانه وبحمده..

الله ينزل السكينة على عباده فمن تحل بهم المصائب من مرضٍ ومحن وظلم وافتراء،ثم تراهم ثابتين لا يأبهون يعملون لنصرة دينهم وخدمة مجتمعاتهم وأوطانهم فيرزقهم الله ثم يأتيهم الفرج وينزل بهم الفرح فنالوا أجر الصبر وزال عنهم الكرب؛ فجمع الله لهم بين خيري الدنيا والآخرة..السكينة إخوتي ينزلها الله على مَنْ أحسنَ صِلَتَه به،وانطرحَ بين يديه،وخضعَ له ولم يُشاقق الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم،من ينالُ السكينة لا تستفزُّه الأحداث ولا يقلقُ من تأخُّرِ نَصرٍ..هي عطاءٌ من الله ورحمةٌ ربانية ومنحةٌ إلهية،يهبُها الله وليست بمقدور البشر،ولكن أهل السكينة يجعلهم الله رحمةً للناس،وعظةً وعبرة واقتداء فيُخفِّفُون من المُصاب،وينصحون ويحتسبون ويساعدون الناس ويخدمونهم بحاجاتهم،ويخففون عنهم أحزانهم؛وهم رحمة للأمة يقول ابن القيم"كنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظـــنون، وضاقت بنا الأرض أتينا شيخ الإسلام، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوةً ويقينًا وطمأنينةً..وهكذا العلماء الربانيون(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) اللهم اجعلنا ممن تتنزل عليه السكينة،وتغشاه الرحمة،وتحفه الملائكة،أقول ما تسمعون

الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..

من الأسباب الجالبة للسكينة والطمأنينة كثرةُ الدعاء, وملازمةُ أورادِ الصباحِ والمساءِ, فلها تأثير عجيب لا يشعر به إلا من حافظ على ذلك,ومن قرأ ما وردَ في فضلها تَبَيَّنَ له ذلك.ثم ملازمةُ الذكر والاستغفار مطلقاً سببٌ عظيم لطمأنينة النفس،ونزول السكينة،وتقوية القلب(أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)التوبةُ من المعاصي،والتخلّصُ من المظالم،و سلب حقوقِ الناس,وكلَّما كان العبدُ ملازماً للتوبة,بعيداً عن كل ما يشغل ذمته فيما يتعلَّقُ بحقوقِ العباد كان أكثرَ طمأنينةً وراحةً وسعادة فالظلم والذنوب سببٌ لعقوبات الدنيا والآخرة..ومن أسباب السكينة:الإيمانُ بالقضاءِ والقدرِ,وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك,وما أخطأك لم يكن ليصيبك وتوقن بأنك لن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً, في اليوم والساعة والمكان والسبب الذي قَدَّرَه, ليس لأحدٍ كائناً من كان أن يُقدّمَ في ذلك شيئاً أو يؤخرَه..وكذلك عملُ الخير والتطوّعُ للمجتمع سعادةٌ عُظمى تزيل الهموم..

الإقبالُ على عمل الآخرة,وعدم الانشغال بالدنيا فذلك يجعلُ العبد يبذُلُ سَعْيَه فيها ويَبْنِي كُلَّ آمالِه فيها فإذا ما تذكر الموت شعر بأنه خسر كُلَّ شيء،وكذلك لنحذر الانشغال بالأخبار ووسائل التواصل والانهماك عليها الذي أصبح مصدر قلق لدى الكثيرين لاسيما مع كثرة الأخبار المغلوطة والمبالغ بها وكذلك الصحبة السيئة التي تشغلك وتلهيك فاجعل من وقتك وحياتك نصيباً لله وقراءة قرآن لها دور كبير سمعنا وغير ذلك من أسباب قيل لأبي ذر رضي الله عنه:ما بالنا نكره الموت؟قال:لأنكم عَمَّرتم الدنيا, وخَرّبتم الآخرة,فتكرهون الانتقال من العمران إلى الخراب" اللهم ارزقنا سكينة وطمأنينة تغنينا بفضلك عمن سواك وتريح قلوبنا المتعبة والمجهدة وتزيل عنا كل غمٍّ وحزن..اللهم احمِ بلادنا وسائر بلاد الإسلام من الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى..وصلى الله وسلم على ...


 0  0  359

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.