• ×

04:03 مساءً , الجمعة 9 ذو القعدة 1445 / 17 مايو 2024

فتن متلاحقة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله؛دافع البلاء،كاشفِ الضراءِ نحمدُه للرَّحمةِ والنَّعمَاءِ،وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له نستغيثُ به لرفعِ البلاءِ؛وأشهدُ أنَّ مُحمداً عبدُه ورسوله حذرنا الفتنَ الهوجاء صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وصحبه العظماء وسلم تسليماً..أما بعد فاتقوا الله عِباد الله واعلموا أنَّ الفتنَ تجعلُ من أَحسنِ العُقُولِ حَائِرةً أَمامَهَا وسَاعيةً في البحثِ عن حُلولٍ لها..وهاهي فتنٌ تُحيطُ بنا جميعاً،وقلّمَا يسلمُ من أثرِها أحد..
فتنُ فُرقةٍ واختلافِ أثرَّت على الأمة..فتنةُ إراقةِ دماءٍ وتساهلٌ بها وبالأعراض وبضياع أمنٍ وتخريب وطان..فتن تطرّفٍ بالرأي وفسادٍ بِخُلقٍ يُجاهر به..فتن بالتطاول على ثوابت الدين وجرأة على تحريفه..وفتنةُ ضياع رأيٍّ وسكوتٍ عن الحق..حتى التبس الأمر على كثير من الناس!وفتنة نشر الشائعات والتساهل بتلفيق الاتهامات للناس ظلمآ وعدواناً..من الفتنة أيضاً الخوف من المشاركة مع الحق (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنّي-اعتذر عن المشاركة فرد الله عليه- ألا في الفتنة سقطوا..)
إنها إخوتي فتنٌ يُرقّق بعضُها بعضاً،تدع الحليم حيراناً أصبحت سمةً للزمان وظاهرةً للعيان عبر ما يُقالُ ويُطرح ويُنشر في وسائل التواصل والإعلام والمجالس والكلام ومن نجاه الله منها لم يسلم من غبارها..فتنٌ تحتاجُ مِنا لوقفاتٍ كُبرى،لبيانِ أثرِها والتحذيرِ منها ومن أهلِها..فِتنٌ بَعضُهَا يَمسُّنا ويُحيطُ بِنا وأُخرى تقعُ في بلادٍ غيرنا..فواجبٌ على المُسلمِ أن يَحذرَ الفتنَ عُموماً،ويكونَ لَهُ من دينِه وتقواه ما يحميه من شرورِها وحذّر القرآنُ والسنةُ من الفتن لأنه لا نجاةَ منها ولا توضيح لها إلا بالرجوع للشرع وتحكيمه وتركِ أهواءَ مُضلّةٍ وتبريراتٍ واهيةٍ..ونبينا صلوات ربي وسلامه عليه حذّرَ أمتَّه من الفتن،وبيّن حدوثها،فقال..(ستكونُ فِتَنٌ القَاعدُ فِيهَا خَيرٌ مِن القَائِمِ،والقَائِمُ فيهَا خيرٌ مِن الماشي،والماشي فِيهَا خيرٌ مِن السَاعي،مَن تَشرّف لها تستشرفه،ومن وجد فِيهَا مَلجَأً أَو مَعاذاً فليعذْ به)رواه البخاري فالمخرج إذاً الحذرُ منها قَدْرَ الاستطاعة..بمعرفتِها أو بتجنُّبِها أو بقولِ كلمة الحق في زمنها فالفتنة قد تُريكَ الحقَ باطلاً والباطلَ حقًا،وقد تُعميَكَ وتصمُّك وأنت لا تشعر..إما بتطرُّفٍ أو بتساهُلٍ يَنالُ من ثوابتك!!أو تصمُتَ عن قول الحق!!
يُقضَى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليسَ بالحسنِ
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ستأتي فتنٌ آخرِ الزمانِ يكثرُ فيها القتل وفتنٌ ومن شدتِها يَمرُّ الرجلُ على القبرِ ويَتمرّغُ عليه قائلاً[ياليتني مكانَك؛من شدّةِ مما يَرى من فتنٍ وأمورٍ عظيمة] ومن أَخطارِ الفتن ضياعُ الرأَيِّ قال صلى الله عليه وسلم..(والذي نفسي بيده،لا تذهبُ الدنيا حتى يأتيَ على الناس يومٌ لا يَدري القاتِلُ لم قَتَلَ ولا المقتول فيم قُتِلَ،فقيل..كيف يكونُ ذلك؟قال..يكثرُ الهرج-وهو القتل- والقاتلُ والمقتول في النارِ ويَتَقَارَبُ اَلزَّمَانُ وَيَنْقُصُ اَلْعَمَلُ،وَيُلْقَى اَلشُّحُّ وَتَظْهَرُ اَلْفِتَنُ)رواه مسلم تحذيرٌ من المشاركة في سفكِ الدماءِ أَو أَن نَتَلَطّخَ فيها أو نَلقَى اللهَ بها بقولٍ أو تصنيفٍ واتهام أو عملٍ ولسمعةِ الناس تشويه..وقد يَستطيلُ من وقعَ في الفتن في الظُلم فَيقتُلُ أَقربَ النَّاسِ إِليه لأنَّهُ يَفقدُ عَقلهُ،قالوا..يا رسولَ الله،إنا نقتلُ المشركين الآن فقال..(ليس بِقتلِ المشركينَ،ولكن يَقْتُلُ بَعضُكُم بَعضًا،حتى يَقتُلُ الرجلُ جَارَهُ وابنَ عَمِهِ وذَا قَرابته)،فقال بعضُ القوم..يا رسولَ الله،ومعنا عُقُولُنا؟!فقال..(إِنَّهُ تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ،وَيَخْلُفُ لَهُمْ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ،يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى حقٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْء)أخرجه أحمد وصححه الألباني(وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)ومِن الفتنةِ اِستغلالُ قوتك للإيقاعِ الناسِ وتصفيةِ الحساباتِ والوشايةِ بِهم واتهام النيِّاتِ والمؤلّفات واتهامِ الأحياء والأموات والمشاركةِ بنشر الشائعات وإذاعتِها بلا تثبُّتٍ ولا مصداقيةٍ فكلُّ المسلم على المسلم حرام؛دمُه ومالُه وعْرضُه)..من الفِتنةِ أن يُستغلَّ الإعلامُ أو منبرٌ ومسجد أو عبر وسائل التواصل لإثارةِ البلبلةِ والخوفِ وبثِّ ثقافة اليأس والتغرير بالناس..والإسراف ونشر المنكر..من الفتنة تركُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدمُ التناصحِ بحكمةٍ وموعظةٍ حسنة..من الفتن تساهلُ من قَلّت بضاعتُهم الدينيةُ والعلميةُ بالخوضِ في الشُبهاتِ الدينّيَة التي تجلبُ البلبلةَ وتُضعِفُ تمَسُّكَ الناسِ بدينِهم واحترامهِم للشرع وعلمائهم..
إخوتي..إن موقفَ المسلمِ من الفتنِ،لابد أن يكونَ واضِحَاً بِلا مُجَامَلة فالعودةُ للدينِ وأصولهِ وإِقامةِ شَرعه؛والحرصُ على اجتماع الكلمة، والعدلُ في الحكم على الناس حِمايةٌ من الفتنِ،وفهمُ العُلماءِ الشرعيين الذين يفقهونَ واقعَهم ومَصلحةَ البِلادِ والعِبادِ مَلجـأٌ مِن آثارِ الفتن. وليسَ من السهلِ العبثُ بأمنِ البِلادِ بشَتى الدعاوى والاجتهادات وليس إصلاحاً تغييرُ ثوابت المجتمعاتِ وإضعافُ تمسكهِّم بدينهم..ليس من حمايةِ الدينِ إثارةُ فتنٍ طائفيةٍ بين شعوبٍ عاشت مع بعضها عَبْر الزمنِ على أَديانَ ومذاهبَ مُتعددةٍ تعايشَت عبرَ التاريخ ثم يأتي من يثيرُ الفِتنَ بينهم ويُلغي التَعايش القَائم لديهم..ولاشك واجبٌ الدعوةُ للإسلامِ الدينِ الحقِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ،والجدالُ بالتي هي أحسن،واحذر من الذهاب لمواطنِ الفتنِ واتباعِ أَفكارٍ متطرفةٍ وغلُوٍّ في الدينِ وأنت ترى كيف تُدار أمورهم ونهايتهم!!
عباد الله..لقد أخبرَ صلى الله عليه وسلم أُمتَهُ بِما سيكونُ إلى قيامِ الساعةِ وبِفتنٍ آخرَ الزمانِ أَعظمُهَا فِتنةُ الدجالِ يتبعه أكثر الناس فهو يغري الناس باتباعه ويفسدهم بالكفر والفسوق فقال عليه الصلاة والسلام..(بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويُمسي كافراً ويُمسي مؤمناً ويصبحُ كافراً يبيعُ دينَه بعَرضٍ من الدنيا)رواه مسلم لقد قلَّ العِلمُ والعُلماءُ الربانيونَ أهلَ الخشيةِ للهِ والهدايةِ واتباعِ سُنته صلى الله عليه وسلم وخُلفائِه الراشدين..ظهرت فِتنٌ مِن كُلِّ نَوعٍ وظَهرَ الطعنُ في الإسلامِ والتشكيكُ في الدين مُعلناً عياذاً بالله..وتزهيدُ الناسِ بالدين وتحريفُه وسَلبُ مَحبَّتهِ من قلوبِ الناشئين تَصاعدَتْ من فروعِ الدينِ لأُصولِهِ وأَركانِهِ..وفتنةُ الناس في أخلاقهم وتمسُّكِهم وحجابهم نسأل الله السلامة والثبات..سألَ حذيفةُ بنُ اليمان رسولَ الله صلى الله عليه وسلم..هل بعد الخير الذي جاء به من شر؟قال..(نعم قال.. وهل بعد هذا الشر من خير؟قال صلى الله عليه وسلم..نعم وفيه دخن قلت..وما دخنه؟قال..قوم يستنَّون بغير سنتي ويهتدون بغيرِ هديي تعرفُ منهم وتُنكر قلت..فهل بعدَ ذلك من شر؟قال..نعم دعاةٌ على أبوابِ جهنم من أجابَهم قذفوه فيها قلتُ..يا رسولَ الله صفْهم لنا قال..هم من جلدتِنا ويتكلَّمون بألسنتنا)لقد أُلْقيَ الشحُّ والطمعُ في قلوب العباد..فمُنعت الزكاةُ والنفقاتُ الواجبة وطمعُ الإنسان فيما ليسَ له به حق. ونقصت الأمانة وأصبحت غريبة..أصبحت فتنةُ المال بأخذِه من غير وجههِ فالحلالُ عندَ كثيرٍ من الناس ما حلَّ في يدهِ بأيِّ طريقٍ كان قال صلى الله عليه وسلم..(ليأتيَنَّ على الناس زمان لا يبالي المرءُ بما أخذَ المال أمنَ الحلال أم من الحرام)رواه البخاري،يكسِبُونَ المالَ بغشٍ وكذبٍ ورباً صريحٍ أو بخداعٍ وحيلةٍ ويكتسبونَ المالَ بالباطل فيدَّعونَ ما ليسَ لهم أو يَجحدونَ ما كانَ عليهم أما الرشوةُ فأصبحت عمولةً وهديّةً ومن لم يدفعْهَا تتعطّلُ معاملاتُه وهيَ حرام..ونسمع عن جرائم شنيعة كمن يقتل والديه ويضربهم وأخته أو قتلٍ بالشوارع أيضاً وغير ذلك من عجائب هذا الزمان.
أيُّها المسلمون..الفتنةُ إذا ثارَتْ عجزَ الحكماءُ عن إطفاءِ نارِها..ثم ينتشرُ شرُّها بين الناس ولذلك واجبٌ دفعُها ومقاومةُ من يثيرُها وأسبابها من فساد دين وخلق(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)فإذا لم يكن الدينُ كلُّه لله كانت فتنة وهذا شأنُ الفتن إذا عظُمَت في الأمةِ..أما حين يُسكْتُ عن بيانِها وإنكارِها فستعمُّ بِشرِّها الجميع..ولذلك أُمر المسلمُ بالاستعاذة من فتن المحيا والممات وعذاب النار والمسيح الدجال آخرَ كلِّ صلاةٍ..فالنجاةُ بمعرفةِ الفتنِ والفرارِ منها،وبوّب البُخاري في صحيحه.."بابٌ..من الدين الفرارُ من الفتن" والعلمُ بالفتنِ سببٌ للتحصين منها والاستعداد لبلائها قبل وقوعها..ولذلك رغم التنبيه عن فتنة الدجال ومغرياته وذكر صفاته وعلاماته ليُعرفَ..إلا أنه صلى الله عليه وسلم قال..(من سمع بالدجال فلينأَ عنه فوالله إن الرجلَ ليأتيه يحسبُ أنه مؤمن فيتبعه مما يُبعث معه من الشبهات والشهوات)رواه أبو داوود..
أيها المسلمون..الفتن كقطعِ ليلٍ مظلمٍ فاجتنبوها فإنِّها إذا ظهَرت عمَّت المجتمعَ كلَّه وأصابت الصالحَ والفاسد(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) احذروا ما ظهرَ منها وما بطن،كفتنةِ القولِ وفتنةِ العملِ وفتنةِ العقيدةِ والآراءِ الهدامةِ والشبهات والشهوات والمشاهداتِ السيئةِ والمشاركة بما يصدُّكم عن دينِكم ويوجبُ هلاككم (آلم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)اللهم نجنا من فتنة المحيا والممات وارزقنا على الدين الثبات أقول ما تسمعون
الخطبة الثانية..الحمد لله،لا مانعَ لما أعطاه،ولا رادَّ لما قضاه،أحمدُه سبحانه وأشكُرُه،وأشهد أن لا إلهَ إلا إياه.أما بعد عباد الله..إن الفتنَ التي تحيط بشبابنا بنين وبنات وأولادنا وأسرنا تنوَّعتْ الآن وتحتاج منا كآباء وأولياء حماية اسرنا من الفتن الضراء من غلوٍ بالدين أو تحريف ومن خلل الشبهات وفوضى الشهوات والنفسيّة والمخدرات وسوء الأخلاق فنحن مسؤولون أمام الله عنهم بتحذيرهم منها في بيوتنا ومساجدنا وإعلامنا وتعليمنا ولا يعني كثرة ممارسة الناس للباطل ووقوعهم بالمحرمات أن ينزلق الإنسان معهم بها فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيأتي زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر) من شدة ما يراه نسأل الله السلامة والعافية وأن يحمي أسرنا وأولادنا من كل سوء..اللهم نجنا من الفتن،ما ظهر منها وما بطن،وأرِنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه،وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه،اللهم أدم علينا نعمة الاستقرار والأمان والإيمان على بلدنا هذا خاصة وسائر بلاد المسلمين..اللهم اكفنا شر من يريدون العبث بأمننا وديننا،وفكر شبابنا وينشرون الإشاعات المغرضة بيننا واجمع كلمتنَا على الحق والدين ووفق ولاة أمور المسلمين..ارزقهم البطانة الصالحة،وجنبهم بطانة السوء،واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين..


 0  0  411

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.