• ×

04:26 صباحًا , الثلاثاء 13 ذو القعدة 1445 / 21 مايو 2024

قصة قصيرة من سورة(يس)

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله الذي أنزل الفرقان وجعله للناس حجّةً وبيان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله خير من تدبر القرآن صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ما توالت الأزمان وسلم تسليماً أما بعد فاتقوا الله عباد الله..واعلموا أن كل ما في القرآن عظيم حين تدبره ومعرفة أحكامه وتأمُّلِ قصصه وآياته..فليس عبثاً أن يمتلأ القرآن الكريم بقصص أممٍ سابقة ورواياتٍ متلاحقة..تحكي عِبراً وتَسْردُ أثراً..وتَقصُّ على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابتِه ومَنْ بعَدَهم إلى يوم القيامة قَصَصاً وتثبيتاً(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ*وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ*وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ*وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
نقف مع قصة قصيرة عبرتُها طويلة وآياتُها عظيمة وردت في سورة يس التي يحفظها ويقرأها كثيرون وقال بعض المفسرين أنها(قَلْبُ القرآن) ولم يكن عبثاً أن يتخذ صلى الله عليه وسلم قراءة في الصلوات غالباً من آي المفصّل كما ورد!!
إنها قصة للعبرة والعظة ضرب الله مثلاً للمعاندين وردت في سورة يس لا يسعنا أن نأخذ تفسيرها إلا عمَّا ورد في كتب المفسرين للقرآن الذي يثبت أصلها وعبرتها..
قريةٌ كانت تعبدُ الأصنامَ قال المفسرون أنها أنطاكية من لواء اسكندرونة والله أعلم..أرسل الله لهم رسولين يدعونهم لتوحيدِ الله ونبذ الشرك والأوثان ثم عزّزَهما برسولٍ ثالث فكذبوهم وقالوا(مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا)سبحان الله كانوا يريدُون ملائكة والله لا يبعث إلا بشراً(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ)لأنه هكذا تتحقق الأسوة والاقتداء من البشر بهم ثم أكمل أهلُ القرية تكذيبهم لأنبيائهم(وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ)فما كان حجةُ الرسلِ إلا أن ردُّوا عليهم (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)بيانٌ للتاريخ وبراءةٌ للذمة وأداءٌ للمهمّة وأنهم بُعثوا لسعادتِهم دنيا وآخرة واستقرارهم وأمنهم وإن كان بعضُ الغاوين يستهزئ بهم ثم أكلموا بأدب الأنبياء(وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فتجاوز المعاندون الحدود ولم يَمْلِكُوا حُجَّةً بيَّنةً للردِّ على حقٍ جاء به المرسلون وشركٍ حذّروا منه إلا أن يتبرؤوا من مرحلتهم ويتهموها ويخوّفُوا من خطرهم(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) أنتم مشؤمون ستدمِّرُون قريتَنا بدعوتكم وتخلّفكم وتعاليمكم وتوحيدكم يقولون ذلك لأنبياء الله ولم يكتفوا بذلك بل انتقلوا لمرحلة التهديد والكبت ثم التهديد بالقتل(لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)فكان رَدُّ رسل الله الناصحين لهم محذّراً لهم؟!(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)هنا براءة المرسلين من فعلهم وأن المعاندين للدين سيكونون هم سبب الشؤوم على القرية..وكعادة الزمان والمكان وتوصيات الدين يكون هناك مُصلحٌ محتسب يبحثُ عن الحق رجلٌ يسكنُ أقصى المدينةِ مُتأمِّلاً بالأحوالِ والتاريخ ولم يختلط بالفتنة ومعتركها رغم شركه معهم لكنه كان مدركاً والناسُ يعرفونه وعقله لكنهم أنكروه فآمن برب العالمين فلما سَمِعَ بتكذيبِ القريةِ لهم جَاء يركض وليس مشياً(يسعى)إليهم محذراً..يريد رفعة قومه وبلاده وحمايتَهم ونصرةَ قريتِه حقاً وحقيقة(قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)ويبين لهم أن لا مصلحة لهم ولا دنيا يريدونها ولا جاه وإنما(اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) ثم يحاول إقناعهم بتوحيد هو واضح للعيان لما تبين له الحق(وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ورد في كتب التفاسير أن اسمَه حبيبٌ النجار مصابٌ بجذام كثيرُ الصدقة لكنه يعبد الأصنام!!سبعين سنة!!يدعوهم ويرجو نفعهم وكشف ضره فلم يجد علاجاً ولا جواباً..حتى جاءه الرسلُ فدعوه لعبادة الله وحده لا شريك له فقال ..هل من آية؟!فقالوا نعم ربنا على ما يشاء قدير وهذه الأصنام لاتنفعك من قطمير..فآمن بربه لاشريك له فكشف الله ما به كأنه لم يكن به بأس..الله أكبر ..الله أكبر..هكذا القرآنولذلك قال الله أول سورة (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ )ثم تحوّل حبيبٌ للصدقة والإنفاق والإيمان..وذهب الرسلُ في دعوتهم لكنَّ قومه لم يؤمنوا وهمّوا بقتلهم فجاء حبيبٌ النجار من أقصى المدينة يسعى راكضاً وليس مشياً يدعوهم لاتباع المرسلين وأن الرسل لا يرجون دنيا ولا مصالح وإنما هدايتكم ويُلحّ عليهم لاقناعهم من محبته لقريته وقومه وأهله فيقول(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ*إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ*إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ)كان يناديهم ويناجيهم رجاء هدايتهم ويريد فقط أن يسمعونه لكن قومه غرّتهم قوتهم وأموالهم فعاندوا ورغمَ ثقتِهم بحبيبٍ النجار عادَوْه وأقصوْه واعتبروه يُنكِّدُ عليهم حياتَهم وما تعوّدوا عليه فتآمروا عليه وهو منهم ويعرفونه فآذوه ثم قتلوه رفساً بالنعال كما ورد في التفاسير ولكنه وهو يحتضر يرى مصيره بالجنة بعد إيمانه(قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ) فهل فكّر بنفسه بل يُفكِّرُ بقومِه وأهلِه ويحزنُ عليهم ويدعو لهم وليس عليهم وهكذا هم الدعاة الناصحون المخلصون لا يبحثون عن الثأر لما أصابهم ولا المصلحةَ المادية لهم ولا جاه ولا منصب وإنما النصحَ لقومهم فقال لما رأى مصيرَه(يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) الناصح الواضح بأسلوبٍ حكيمٍ وعقلٍ رزينٍ ينبغي أن يُسمع له فهو عبر التاريخ كما القرآن ناصحٌ مشفقٌ أما المرتزقة والمتطرفة والناعقة والغلاة في فكرها وطرحها فهم لا يريدون خيراً بالقرية ولو أظهروا ذلك!
عباد الله..ثم جاء أمر الله لقرية عاندت الرسل وكذبتهم ورفضت المصلحين وأزالتهم وظنت أنها بشركها ولهْوها ناجية وسعيدة فكان عليهم حكمُ اللهِ أعدلِ الحاكمين(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ)بين الله لنا هنا أنه أرسل رسله وقال العاقل المحتسب كلمته لكنهم عاندوا ورفضوا فأرسل الله لهم فقط جبريل ليصيح بهم كما في القرآن(إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ)انخلعت الأفئدة عن الأجساد!! يا ألله..يا ألله..صيحة واحدة للجميع ممن كان يكابر ويُعاند ويظنُّ أنَّه خالد ومستمرٌ بطغيانه وجبروته والله بالمرصاد!!
جاء الملك جبريل فصاح بهم عند باب القرية صيحةً واحدة التي لا يمنع منها شيء فهلكوا وخمدوا[وتلك بيوتهم شاهدة] صُعِقُوا ثم قال الله تعالى ختاماً لهذه القصة القصيرة التي هي(17) آية فقط للتاريخ والأمم بعبرةٍ عظيمةٍ يصفُها الله(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) الحسرة هي الندم ولات حين الندم(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً*يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً*لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً)ويختمُ الله المشهدَ ليحذرنا بقوله في سورة يس~ (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)يارب أعطنا عبرك حتى نعتبر واهدنا للحق وحذرنا الضلال لننزجر واجعلنا موحدين لك غير مشركين بك يارب العالمين ..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..
القرآن الكريم كتاب الله وكلامه الذي لاتنقضي عجائبه أنقذ الله به من جاهلية جهلاء وضلالة عمياء ختم الله به الكتب وأنزله على خاتم الأنبياء نهل منه العلماء وخشيت له القلوب والأبصار وهذه الأمة بخير وإلى خير ما دامت مستمسكة بالقرآن منطلقة منه راجعة إليه(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ..هو القرآن العظيم والحكيم يهدي للتي هي أقوم فاقرأوه واحفظوه وتدبروه فهو(قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)كما قال عليه الصلاة والسلام وهو المخرج عند الفتن فيه نبأُ ما كانَ قَبلكم،وخبرُ ما بعدكُم، وحكُم ما بينِكم، وهو الفصلُ ليسَ بالهزل،من تركَه من جبّارٍ قصَمه الله،ومن ابتغى الهُدى في غيره أضلَّه الله، وهو حبلُ الله المتين،وهو الذكرُ الحكيم،وهو الصراطُ المستقيم،هو الذي لا تزيغُ به الأهواء، ولا تلتبسُ به الألسنة،ولا يشبعُ منه العلماء،ولا يَخْلَقُ على كَثْرَةِ الرد، ولا تَنْقَضِي عجائبهُ،هو الذي لمْ تنتهِ الجنُّ سَمِعتْه حتى قالوا( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ )من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حَكَمَ بِهِ عَدَل،ومن دَعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم..
اللهم اجعلنا لقرآنك من التالين ولآياته من المتدبِّرين العاملين بأحكامه المؤمنين بمتشابِهه أسكنَّا به الظلل وألبْسنا به الحُلَلْ واجعلِ القرآنَ قائدنَا وشفيعنا للجنان..


 0  0  600

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.