• ×

03:56 صباحًا , الجمعة 9 ذو القعدة 1445 / 17 مايو 2024

رَمَضَانُ الْهِمَّةِ وَالْعِزَّةِ وَالنَّصْرِ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمدُ لله وحده أعز جنده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له،وأشهدُ أنَّ مُحَّمداً عبدُه ورسولُه نصر الله به الدين والملّة صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد..فيا أَيُّهَا النَّاسُ اتقوا الله تعالى..واعلموا أن تاريخ أمتنا المسلمة تاريخ نصر وعزة وتمكين منذ بعثة رسولنا صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم ولا مجال لجاهل متطاول أو مُغرض حاقد للتشكيكِ بهذا التاريخ أو تشويهه جهلاً وعدواناً ونحن في رمضان نتذكر تاريخاً حافلاً بالنصر والتمكين لما حصل فيه من معارك خالدة وفتوحاتٍ وانتصارات..

فمسيرة الأمة في رمضان كانت مِنحاً متوالية،وأَفضالاً مُتتالية،ومواقفَ من الحق والخيرِ حَاسمة ففيه نزلَ القرآنُ ليُصلحَ البشريةَ،وهو شهر العزيمة والجدّية نبدأ بغزوة بدر في السابع عشر من رمضان التي أحقَّ الله بها الحقَّ بكلماتِه ووعْدِه ونصْرِه..وتبيَّنَ منها عُمقُ وفاءِ المؤمنينَ لدينِهم ونصرتِهم لَهُ والتضحيةُ من أجله. يشاور عليه الصلاة والسلام الأنصار قبل المعركةِ فيقولون:{امضِ يا رسولَ الله لما أمركَ الله فنحنُ معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضْتَه لخضناه معك،وما نكرهُ أن تلقى بنا عدوَّنا غَداً إن لَصُبرٌ في الحرب صُدُقٌ عند اللقاء فلعلَّ الله أن يُريَك منا ما تقرَّ به عُينُك يا رسولَ الله:فصِلْ حبالَ من شئت واقطعْ حبالَ من شئت،وسالِمْ من شئت وحاربْ من شئت،وما أخذتَ منا كان أحبَّ إلينا مما أعطيت}ولاءٌ ونصرةٌ لله ورسولهِ،وقولُ من صَدَقَ الإيمانُ في قلوبِهم فبذلُوا له أرواحهَم فيبشرّهم عليه الصلاة والسلام :{سيرُوا وابشروا فإن الله وَعدني إحدى الطائفتين}والله لكأنِّي أنظرُ إلى مصارعِ القوم (هذا مصرعُ فلانٍ وهذا مصرعُ فلان:ويضعُ يدَه على الأرضِ هاهُنا وهاهُنا}يقول راوي الحديث:فو الله ما ماطَ أحدُهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم..ثم يكمل جهده عليه الصلاة والسلام بالدعاء:{اللهم أنجز لي ما وعدتني ثلاثاً،اللهم إن تهلك هذه العُصَابة لا تُعبدُ على وجهِ الأرض ويرفَعُ يديه بشدةٍ إلى السماءِ لاجَّ اللسانِ بالدعاءِ فيقول له أبو بكر رضي الله عنه يا رسولَ الله "بعضَ مناشدتك ربِّك فإنه منجزٌ لك ما وعدك"فيلتفتُ متهلِّلَ الوجهِ لأبي بكرٍ قائلاً:"أبشرْ" أتاكَ نصرُ الله هذا جبريلُ آخذٌ بعنانِ فَرسهِ على ثنايا النقع(إذ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)وبفضلِ الله ثم بتلكَ النفوس وذَلكَ الدعاء انتصر صلى الله عليه وسلم والصحابة معه وكلُّ مقاييس النصر كانت للمشركين لكن الله غالبٌ على أمره ولو كره المشركون..وفي رمضان أيضاً فَتحُ مكة حين خالف المشركون عهدَ صلحِ الحديبيةِ فجهَّز عليه الصلاة والسلام جيشَه لفتحِها وتطهيرها من شركٍ وأوثانٍ أحاطت بالكعبة..جاء الفتحُ بعد كيد قريش سنينَ طويلة وتمكَّن بقوىً عظيمةٍ..وظنوا أنهم سيوقفون مدَّ الإسلام لكنَّ الله جَلَّ وعلا الذي تكفَّل بنصر دينهِ ردَّ كيدهم في نُحورِهم ومكَّن النصر والفتحَ للمسلمين وتحقَّق موعودُ اللهِ لهم فدخلَ صلى الله عليه وسلم مكةَ فاتحاً فتوجَّه إلى المسجد الحرام طائفاً يَهدِمُ الأصنامَ وهو يقولُ بكل ثقة بنصر ربه:[جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً]ثم يخطب بهم فيقول{لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له،صَدقَ وعّدَه،ونصرَ عبْدَه وهَزمَ الأحزابَ وحْدَه:يا معْشَر قريش ما تظنُّون أَنَّي فاعلٌ بكم؟قالوا:خيراً:أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم قال:فإني أقول لكم كما قال يوسفُ لإخوته:لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء}كانَ صلى الله عليه وسلم قادِراً أن ينتقم لكنه بُعثَ رحمة،وقدِرَ فعفا فكان العفوُ بلسماً للجراحِ الأليمةِ،وهَدَأَت النفوسُ المتوتِّرة،وسَكَنَت القلوبُ الواجفةُ،وسادَ الناسَ الحبُّ والبّرُ والوفاءُ فأصبح مسلموا الفتح بناةً لدولة الإسلام وأكثر من حموه في حروب الردّة..وما أَحوجَنَا إِخوتي،إلى مَبدأِ التسامحِ والعفوِ والتعايش فيما بيننا،ونَبتعدُ عن إِساءَةِ الظنونِ،والغلو والتصنيف الذي يثير الفتن والشقاق..وكانت معركة القادسية التي فتح الله بها بلاد فارس وهزم جيش الفرس بقيادة سعد بن أبي وقاص والصحابة معه رضي الله عنهم أجمعين في رمضان سنة خمس عشرة من الهجرة ثم إلى فتح عظيم للإسلام وهو فتح الأندلس في رمضان سنة 92 هجرية بقيادة طارق بن زياد وجلس المسلمون في الأندلس ثمانية قرون قدّموا خلالها ديناً وعلماً وتعاملاً راقياً وبناءً وحضارةً ثم معركةُ الزُلاَّقة المشهودة في الأندلس برمضان سنة تسعٍ وسبعين وأربعمائة من الهجرة بقيادة يوسف بن تاشفين مع المرابطين لإنقاذ المسلمين وتوحيد صفهم لمواجهة الصليبين الذين اتحدّوا لحرب الإسلام شمالاً وشرقاً وغرباً فاحتلوا بيت المقدس وما حوله وهناك في الشام نهض قادة الأمة كعماد الدين ونور الدين محمود ليبثُّوا روحَ النصرِ والعلمِ فيها من جديد فيخرج من ثمرتهم قائدٌ ملهم وهو صلاح الدين الأيوبي ليُحرّرَ القدسَ في مَعركةٍ حطين الحَاسمة رمضانَ سنة ثلاثٍ وثمانين وخمسمائة للهجرة وفلسطين كانت ولا تزال بمسجدها الأقصى مقدسةً عند المسلمين يَحِّنُونَ إليها ويتمنون الصلاة بمسجدها بإذن الله

ذكرى أخرى عظيمة برمضان في معركةٍ خاضَها المسلمون مع المغول الذين انطلَقُوا من مشرقِ الأرضِ فدمَّرُوا دولَ الإسلام وأهانوا أهلَه وقتلَوا وسلَبوا وشرَّدوا وأَسقطُوا الخلافةَ العباسيةَ في بَغداد وسارَت جحافلُهم تُدمر وتقتل حتى خاضَ المسلمونَ معهم معركةَ "عين جالوت "بالعشْر الأواخرِ في رمضان سنةِ خمس وثمانين وستمائةِ من الهجرة بعد أن ظنَّ الناسُ أنَّ التتار قوة لا تقهر فكبتَ الله عدوَّه وقادَ المظفر نورُ الدينِ قُطز والظاهِر بيبرس والمسلمون من مصرَ والشام مواجهة التتار وأظهرُوا شَجاعةً عظيمةً شجَّعت المسلمينِ وقَوَّت نفوسَهم،فانتصروا،واندحرَ التتارُ في أول هزيمةٍ لهم حصلت في رمضان..وكان للعلماء بهذه الانتصارات دوراً عظيماً في تشجيع الأمة نستحضر منهم العالم الفذ ابن تيمية رحمه الله حيث شارك المسلمين في معركة شقحب بجوار دمشق غرة رمضان سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة..يقول ابنُ كثير رحمة الله:- عندما توجَّه التتارُ إلى دمشق حدثَ فيها ذعرٌ عظيمٌ ورجفةٌ في الناسِ،وتحملَّ بعضُهم إلى مصر واليمن فوقفَ شيخُ الإسلامِ حينئذٍ تقي الدين ابنُ تيمية في الناسِ يثِّبتُهم ويربطُ على قلوبهم،وتوجَّه إلى الحكّامِ يستنهضُ عزائمَهم حتى قررُّوا نُصْرَتَه،وكان يعُدهم بالنصر تحقيقاً لثقتهِ باللهِ..امتداداً لدور العلماء الربانيين في حمل هموم الأمة وقضاءِ حوائجِهم،والأمة ستحفظ لهم ذلك وتقدّره يقول ابن كثير:[حين عاد المسلمون منصورين إلى دمشق فَدخلَ ابنُ تيميّةَ إليها عاليةً كَلمتهُ..قائمةً حجتُه..مَقبولةً شفاعتُه..مُجَابةً دعوتُه..مكرّماً معظّماً..يحيطُ به الناسُ إحَاطةَ الهالةِ بالقمرِ يرونه رجلَهم الذي أنقذ اللهُ به بلادَ الشام..

ثم تنتقل الذكرى حديثاً ليوم العاشر في رمضان سنة 1393هجرية حين تكاتفت الدول العربية بدعمٍ كبير من السعودية زمن الملك فيصل رحمه الله مع مصر للقضاء على أسطورة الصهاينة وعبور خط العدو الصهيوني ليثبتوا أن كلمة المسلمين المجتمعة واتفاقهم هو انتصار والفرقةُ والتنازعُ فَشَلٌ وهزائمُ ومؤامرة وكذلك التطرّفُ والغلوُّ والفسادُ والانحلال خرابٌ وتشويه وها نحن نرى رافضة مجوس يكيدون لبلادنا ولعموم أهل السنة يوافقهم اليهود في ذلك وإن مثَّلوا العداوة بينهم!!فهاهم في رمضان رغم فضله لا يتورعون عن مؤامراتهم فالحوثيين يوجهون صواريخهم التي لم يسلم منها الحرم المكي رغم قداسته كفانا الله شهرهم ومؤامراتهم وإن من معاني الرفعة في رمضان ما نراه الآن من جنودٍ لنا مرابطون يحمون حدودنا ورجالَ أمنٍ بمواقعهم يُضحّون بأنفسهم لحماية أمن البلاد والعباد..نرى بطولاتهم في رمضان وغيره تنبئنا بأن الأمة إلى خير وعلى خيرٍ عظيم..صائمون قائمون بواجبهم يجاهدون أعداءَ البلاد ويحمون أمنها بتوفيق الله من الغلاة والمتطرّفين وأتباع المجوس الرافضة ممن يثير القلاقل في مدننا الآمنة..وأقلُّ ما نقدمه لهم تضامننا بالشعور بحالهم وأن نعلم أننا في مرحلة تتطلّب منا الاعتماد على الله والرجوع إليه وترك ما يُخالف أوامره ونقدّرُ عملهم،وأن نشعرَ بالتهديد لبلدنا وعقيدتنا وقيمنا(إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) اللهم انصر ديننا ووقف أئمتنا وولاة أمرنا..اللهم احفظ جنودنا واحم حدودنا وكن لرجال أمننا واحفظ علينا ديننا وقيمنا واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار

عباد الله..تاريخنا في رمضان عرفته الأمة عزةً ورفعةً ونصراً للأمة ولن يتسع المقام لذكره مما يؤكد أن رمضان شهر مَلاحمَ عظيمة ومواقفَ رائعةِ للعبْرةِ والعظةِ..وهذه الانتصارات والفتوحات تبين أن التوفيق والنصر ليس مرتبطاً بزمن الرسول وصحابته وأنَّ الأمةَ ما عقمت مع نصر الله عز وجل لدينه ومقدساته مَهْمَا ظَهرَ الباطلُ ونما وسوَّق له المبطلون واعتدوا وشوّهه المتطرفون فسيبقى نقاءُ الإسلام عزيزاً..وفي حين من اتخذوا من رمضان نوماً وأكلاً وسهراً هدانا الله وإياهم فلنعلم أن الهمم والعزائم ليست في الفتوحات والمعارك وحدها بل نراها في كل من يجتهد في رمضان وغيره ويبدع في عمله فالطبيب الصائم المتقن والموظف المخلص والعامل المجتهد وبائع الخضار والبقالة وعامل النظافة وغيرهم ممن تزيد همتهم ويخلصون في رمضان للعمل والخدمة وطلب الرزق هم مأجورون وبالخير الكثير مجزيون وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والأُمَّةُ أحوجُ ما تكون الآن إلى فكرٍ وعلمٍ يبعث بها العزَّةَ والكرامة..وبَذلُ الجهدِ منا..والنَّصرُ من عِند الله..والكبت والخسران للظلمةِ والطغيانِ..نسأل الله أن يعزَّ الإسلام وينصر المسلمين أقول ما تسمعون..

الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..

رمضان(أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ)وما أسرع أيامِ الخير مُضياً على من يشتاق إليها..بالأَمس كنا نستبشر برمضان واليوم نقبل على عشره الأخير..فمنا من استغله فقام وبذل وأعطى،ومحرومٌ كسُلَ وبخل واستغنى فيا من فرّط وأضاع،ويا من تعبّد وأطاع اعلم أن شهرك قد مضى وانقضت أيامُه وانصرمت لياليه وهاهي عَشرُهِ الأَواخِر أوشكت فمن كان محسناً في أوله فليستمر على إحسانه وليضاعف من اجتهاده ليزداد خيراً على خير،ومن كان مُفرطاً في العَمل فيما مضى فليستدرك بقيتهُ فيما بقى وليتب إلى الله من تفريطه وغفلته،والأعمالُ بالخواتيم فأنتم فيفهي أفضلُ ليالي العمر أَجرُها كبير وكان صلى الله عليه وسلم يخصُّها بمزيد عبادة،واجتهاد ويعتكف في المسجد للعبادة فأين من يرغب بالحسنات؟!ويطمح للمغفرة والعتق من النار وفي الجنة عالي الدرجات؟!فليستغل مواسم الخيرات..

نسأل الله جلَّ وعلا أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام والصدقات وأن يجعل ذلك في ميزان الحسنات..اللهم احم بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكرٍ وكيدٍ وفتنةٍ ووفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وارزقهم البطانةَ الصالحةَ الناصحة واجمع على الحق كلمتنا وجنبنا الخلاف والشقاق والتطرّف والنفاق وارزق بلادنا الأمن والإيمان والسلامة والاطمئنان ..

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله أكمل الصلوات،،،

 0  0  433

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.