• ×

03:57 صباحًا , الجمعة 9 ذو القعدة 1445 / 17 مايو 2024

(( أمة إقرأ ))

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ،جَعَلَ العِلْمَ أَسَاساً لِرُقِيِّ الأُمَمِ وسُمُوِّ الحَضَارَاتِ،وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ رب الأرض والسماوات،وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ،أَرشَدَ الإِنْسَانِيَّةَ لمَنْهَجِ الحَيَاةِ السَّوِيَّةِ،ودَعَا لِلتَّعلُّمِ ونَبْذِ الأُمِّيَّةِ،صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ،وَعَلَى كُلِّ مَنِ اهتَدَى بِهَدْيِهِ،وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ أمَّا بَعْدُ..فاتقوا الله عباد الله..
كانت بدايةَ الوحي دلالةٌ على أهميتها وحاجة الإنسان لها إنها كلمةُ[اقرأ] نزل بها جبريل..ونحن أمة[إقرأ](اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ،خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ،اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ،الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ،عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
أيها الإخوة..نتاجُ المعرفةِ قائمٌ عَلَى القِراءَةِ والعِلْمِ،لأنه طريق موصلٌ للإِيمَانِ بِاللهِ خَالِقاً ومُوجِداً للكون وتوحيدا له بالعبادة وألوهيةً وهذا العلم الذي هو من صفات الله العليم سبحانه منةٌ من الله وفضلٌ على بني الإنسان، خَلَقَ لَهُ أَدَواتَهُ ووَسائِلَهُ ويَسَّرَهَا لَهُ،وأَهَمُّها القَلَمُ..ليُنَبِّهَ الإِنْسَانَ لمَوْضُوعِ الْقِرَاءَةِ فهي..تَأَمُّلٌ فِي خَلْقِ اللهِ يُؤدِّي للإيمان به وتوحيده،وقِرَاءَةٌ لِكِتَابِ اللهِ المَسْطُورِ القُرآنِ الكَرِيمِ،وطَلَبٌ لِعِلْمٍ لاَ يَعلَمُهُ الإِنْسَانُ،وتَدَبُّرٌ فِي رِسَالِةِ اللهِ المَكْتُوبَةِ لِلإِنْسَ والجان،بَحْـثاً عَنْ هَدْيِهِ سُبْحانَهُ وطَلَباً لِمَعْرِفَتِهِ؛فَالقِرَاءَةُ إِذَنْ تؤدي لِمَعْرِفَةِ اللهِ الخَالِقِ سبحانه ولذلك ارتبطت باسم ربك الذي خلقك،بل ويتأكد القسم بها أيضاً(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ)هذا الرب سبحانه علَّم بالقلمِ الإنسان ما لم يعلم..وبالقراءة والكتابة تظهرُ النِّعْمَةُ العَظِيمَةُ التِي أَكْرَمَ اللهُ بِها الإِنْسَانَ،وهِيَ أَهلِيَّةُ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ(الرَّحْمَنُ،عَلَّمَ الْقُرْآنَ،خَلَقَ الإِنْسَانَ،عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)
القِرَاءَةُ -عِبَادَ اللهِ- مع أهميتها فلها وسائلها ومن أهمها القلم للكتابة مع القراءة ولذلك امتنّ الله على عباده بتعليمه وأقسم به وبالكتابة(نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ،مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)وكل ذلك تقدير وتعظيم لِشَأْنِ القَلَمِ والكِتَابَةِ لأَنَّها سَبِيلُ العِلْمِ وأَدَاتُهُ التِي لاَ غِنَى عَنْها؛ كَمَا قَالَ الله..(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ،عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)فالإنسان لولا فضل الله لم يكن يعلم لأن الله علَّم آدمَ الأسماء َكلَّها ثم تحدّى بعلمه الملائكةَ..
إخوتي..المَتَأْمِّلُ لِلسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ يجد نبيَّ الله وصحابته استَجَابُوا لِهَذَا الأَمْرِ الإِلهِيِّ بِالقِرَاءَةِ،فَأَقْبَلُوا عَلَى العِلْمِ والقِرَاءَةِ والكِتَابَةِ،خاصة القرآن لِمَا عَلِمُوهُ مِنَ الفَضَائِلِ فِي ذَلِكَ وعَظِيمِ الثَّوابِ،وأَثَرِهِ فِي الحَيَاةِ،ومن حِرْصِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَعلِيمِ المُسلِمِينَ القراءة أَنَّهُ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ،جَعَلَ فِكَاكَ بَعْضِ الأَسْرَى قيامهم بتَعلِيمِ عَشْرةٍ مِنَ المُسلِمَينَ الكِتَابَةَ والقِرَاءَةَ،ولَمَّا تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم كَانَ هناكَ خمسون كَاتِباً للوحي اختصوا بِكِتَابَةِ القُرآنِ وجَمْعِهِ،وغيرهم أكثر مِمَّنْ لَمْ يَشْتَغِل بِكِتَابَةِ القُرآنِ،وبعَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم كُتِبَتِ كَثِيرٌ مِنَ الرَّسَائِلِ والمُعَاهَداتِ،ونَقَلَ الإِسلاَمُ النَّاسَ مِنْ قَوْمٍ في جاهلية لاَ يَكْتَرِثُونَ كثيراً بِالعِلْمِ والكِتَابَةِ، إِلَى أُمَّةِ قراءةٍ وكتَّابِة وترجمة..مَلأَتْ عُلُومُهُمْ وكُتُبُهُمْ أَقْطَارَ الأَرضِ،وأَنَارَتْها عِلْماً ومَعْرِفَةً،فصار تاريخُهم حَافِلاً بِمَا لاَ يُحْصَى مِنَ الشَّواهِدِ بعد توجيه[اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ]انْتَشَرَتِ المَكْتَبَاتُ فِي كُلِّ المُدُنِ،واشْتَغَلَ العُلَمَاءُ بِالقِرَاءَةِ والكِتَابَةِ حَيَاتَهُمْ كُلَّها..حتى من دخل في دين الإسلام من الأمم الأخرى حولوا معرفتهم وعلمهم لخدمة هذا الدين العظيم فوُجدت مُدوناتٌ عظيمة للعلماء..حفظ بها الكتاب والسنة ودونت أمهات الكتب..وميادين المعرفة ومَا أَحْوَجَنَا أُمَّةَ الإِسلاَمِ إِلَى نهجٍ؛نَكُونُ فيه فِي مَيْدَانِ العِلْمِ بمَصَافِّ الأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ بَلْ فِي صَدَارَتِها،وهذا يتحقَّقُ بنشر ثقافة القراءة وطلبِ العلمِ بأنواعه مع فهمٍ وفقهٍ للحياة ومتطلباتِها وثقافةٍ تملأُ الشخصيةَ ثباتاً وإيماناً فليست القوةُ عسكريةً أو اقتصاديةً فقط بل بالعلم والمعرفةِ والبحوثِ العلميةِ ومَا تُنْتِجُهُ مِنْ عِلْمٍ ومَعْرِفَةٍ،ومَا تَجْـنِيهِ مِنْ حَصِيلَةِ بحثٍ علميٍ دائبٍ،والمسلمون اليَوْمَ بحمد الله لاَ يَنْقُصُهمُ مالٌ أو موارد لِلإِسْهَامِ والمُشَارَكَةِ..فِي صِنَاعَةِ عُلُومٍ مُختَلِفَةٍ وثقافةِ بحثٍ وقراءةٍ..لكن المشكلة في الاهتمام والعزيمة والحثِّ عليها!!
إن المقارنةَ في القراءة والبحوث العلمية بين العرب والمسلمين وبين غيرهم اليوم تبين ضعفاً لدينا واضحاً وإليكم الإحصاء فالعربيُّ يقرأُ سنوياً بمعدل 6 دقائق فقط بينما الغربيُّ يقرأ بمعدل 200 ساعة سنوياً ولا شك أن النسبة (كما تضيف الدراسة) تزيد للمسلم إذا أضفنا قراءةَ القرآن الكريم لأن الإحصاء للكتب الثقافية والعلمية فقط!!كما أنه يُطبعُ سنوياً في العالم العربي[5000]كتاب بينما يطبع في أمريكا وحدها فقط [300.000]كتاب!!أما بالنسبة للبحث العلمي فالعرب ينفقون 50 ريالاً على الفرد للبحث العلمي بينما في أمريكا فقط تنفق ما يعادل 4500ريال على الفرد الواحد وأوروبا 2000ريال حسب منظمة اليونسكو. إحصاءات تنبهنا لأهمية العلم قراءةً وبحوثاً وهذه الإحصاءات رغم ألمها فإنها تُعيدنا لتاريخٍ عظيم لنا كمسلمين في نشر العلم والثقافة كنا نتبناها على مستوى العالم بزمن مضى لنا فالأندلس مثلاً كانت تُسمى فيه قرطبة [أكثر مدن الله كتباً]وبحوثٌ وترجماتٌ وكتبٌ ومؤلفاتٌ للمسلمين في العلوم والدين فاقت الوصف ولذلك لابد من عودة للقراءة والثقافة لأنها منبع العلم والحضارة منذ الصغر مما يُنمي العلمَ والموهبةَ ويزيدُ العقلَ فهماً ورزانةً..لشؤون الحياة فنحنُ أمة[اقرأ] وقراءةُ القرآن وحفظُه مثلاً مع زيادة إيمانٍ وفهمٍ تزيدُ في ذكاء الإنسان وفصاحةِ لسانه فما بالكم إذن بالسنةِ النبويّة بالأحاديث والعلوم الأخرى المفيدة؟!
القراءةُ أيها الإخوة..تبدأُ بتعليم أَطْفَالِنَا عليها وتَحْبِيبِها إِلَيْهِمْ،لأن ذلك يُعَزِّزُ فِيهِمُ قِيَمَاً فَاضِلَةَ،كالشَّجَاعَةِ والجديّة والصِّدْقِ والرغبة للخَيْرِ والإِحْسَانِ وبِرِّ الوَالِدَيْنِ والعِزَّةِ والشَّرَفِ والإِيثَارِ وحُبِّ العِلْمِ والصَّبْرِ والتَّسَامُحِ وغيرها من صفات حميدة..ألا فَلْنُرِشِدْ أَطْفَالَنَا لقِرَاءَةٍ نَافِعَةٍ،تُحبّبُ لهم اقتناء الكتاب وقراءته ليكون هَدِيَّةً قَيِّمَةً يَتَطَلَّعُ إِلَيْهَا الطِّفْلُ،بدلاً مما لا يُفيدهم!!الكِتَابُ النَّافِعُ إخوتي يتعدى نفعُه الحيَّ إلى الميت،بالحديث.. (إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ..صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلْمٍ يُنتَفَعُ بِهِ،أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)،وكَمَا نَجْعَلُ لِلَّعِبِ والنزهة مَعَ أَطْفَالِنَا وَقْتاً فلنخصص للقراءة وقتاً مع أسرنا مما يُشجعهم على القراءة فيطلبونها ثم يتعلمون حبَّ الكتب واحترامها ويَأْلَفُوها..ومِنْ أَهَمِّ الطُّرُقِ لتشجيع القِرَاءَةِ فِي قُلُوبِ النَّاشِئَةِ تَشْكِيلُ القُدْوَةِ، فكيف لِلصِّغَارِ الحماسُ لِلْقِراءَةِ إِنْ كَانَ الكِبَارُ مُحْجِمينَ عَنْها،غَيْرَ مُكْتَرِثينَ بِها؛فَاجْعَلُوا لِلْقِراءَةِ نَصِيباً ولَو قَلِيلاً مِنْ أَوقَاتِكُم، واقْتَنُوا الكُتُبَ المفيدة قَدْرَ استِطَاعَتِكُم،وَلْيَصْنَعْ كُلٌّ مِنْكُم فِي بَيْـتِهِ مَكْتَبَةً وَلَو صَغِيرَةً، فَفِي ذَلِكَ حَافِزٌ لَهُ أَو لأَهْلِ بَيْـتِهِ عَلَى مُطَالَعَتِها،واقتناءُ الكُتُبِ للانتِفَاعِ بِها بِدَايَةُ طَرِيقِ العِلْمِ!!(ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ)وأَهَمُّ الطُّرُقِ لِتَفْعِيلِ القِرَاءَةِ والمُطالَعَةِ أَنْ نَبذِلَ الكِتَابَ صَدَقَةً،فَبَعْضُ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ الصدقَةَ بالطَّعَامَ والشَّرابَ أَهَمُّ وأَجْدَى نَفْعاً مِنَ الكِتَابِ ومِنَ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ،ورُبَّما استُهْزِءَ بِالرَّجُلِ المُهْتَمِّ بِالكُتُبِ لأَنَّهُ يُضَيِّعُ وَقْتَهُ وهذا خطأ وكم من كتبٍ قديمةٍ وحديثةٍ الصدقةُ بها والتبرع بطباعتها كان نفعاً للأمة بنشرها كطباعة المصحف الشريف مؤخراً فكيف انتشر؟!ثم غيره من الكتب في الحديث النبوي كرياض الصالحين!!انظروا مثلاً كتاب حصن المسلم في اليوم والليلة وغيرها من كتبٍ مترجمةٍ للغاتٍ أخرى نفع الله بها..عبر الأزمان وكانت بركةً وأجراً على مؤلفها وناشرها وقارئها اللهم انفعنا بالقرآن والعلم المفيد وارزقنا الإيمان بك والتوحيد..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..وبعد..
أَيُّها المُسلِمُونَ..أَنتم أُمَّةُ القُرآنِ؛ولْتَعلَمُوا أَنَّ أَهَمِّيَّةَ القراءة والكِتَابِ والمَعْرِفَةِ لاَ تَقِلُّ عَنْ أَهَمِّيَّةِ الطَّعَامِ والنزهة،بَلْ رُبَّمَا فَاقَتْها أَهَمِّيَّةً؛والكتاب على أهميته يُحْجِمُ عَنْه البعضُ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِمْ، فَلْيَتَصَدَّقِ القَادِرُونَ مِنْكُم والمُحْسِنُونَ بِالكِتَابِ كَمَا يَتَصَدَّقُونَ بِالمَالِ والطَّعَامِ، وَثَوابُهُمْ فِي ذَلِكَ عظيم كسائر أعمال البر فالتصدق بالعلم صدقةٌ جارية لا ينقطع خيرها ووقفٌ نفعه مدى الزمان ومن ذلك إنشاءُ مكتباتٍ صغيرة في الأحياء والمساجد والمدارس والأماكن العامة للتشجيع على القراءة وسرنا اهتمام التعليم بذلك وبعض الجمعيات الخيرية أيضاً ولنعلم إخوتي أن كتاب الله القرآن خيرٌ حفظه وتدبره وقراءته فلك بكل حرف عشر حسنات ثم العلوم النافعة الأخرى (وقل رب زدني علما) ولنحذر من قراءةٍ غيرِ مفيدة تُضيّعُ الوقت أو قراءة ضارة محرمة كرواياتٍ ساقطةٍ أو كتب منحرفة الفكر في الشبهات والشعوذة وغيرها ويدخل في ذلك القراءة عبر أجهزة التواصل مما لا يفيد أو يضر واحرص على نشر النافع المفيد مما يصلك وابتعد عن نشر التوافه وفقنا الله وإياكم لكل ما فيه الخير والصواب..


 0  0  664

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.