• ×

06:01 صباحًا , الثلاثاء 21 شوال 1445 / 30 أبريل 2024

الطلاق

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الْحَمْدُ لِلَّهِ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ ذكراً وأنثى،وَجَعَلَ بَيْنَهُمْا مَوَدَّةً وَرَحْمَةً،وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،صَلّى اللهِ وسَلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وَصَحْبِهِ،وسلم تسليماً..أما بعد فاتقوا الله..عباد الله ..
كلمةٌ تُهدمُ بها أُسرٌ وبيوتات؟وتنقلها من سعادةٍ وهناءٍ،لمحنةٍ وشقاء!!قد تكون حلاً مطلوباً لكنها بغيضة.!كلمةٌ أبكت عيوناً،وأجهشت قلوباً،وروعت أفئدةً،صغيرةُ الحجم،جليلةُ الخطبِ،إنها الطلاق،وما أدراك ما الطلاق؟! يوم تسمعُ المرأَةُ طلاقهَا،فَتُكفكِفُ دمُوعهَا،وتُودِّع زوجها!تقفُ على بابِ دارها،لتُلقي،نظراتِ وداعٍ على بيت الزوجيةِ،المليءِ بالذكرياتِ وتَبكي على فِراقِ أَولادِهَا فهل فكروا بذلك قبل قولها و؟!الطلاقُ إخوتي قل الحديث عنه رغم النسب الهائلة لكثرة وقوعه عندنا حيث وصلت حسب آخر الإحصائيات إلى 33 % وكذلك هي مرتفعة بدول العالم مما يدل على عظم هذه المصيبة وكثرة المشكلات التي تقع للأولاد والزوجات بعد الطلاق من ضياع أسري وإهمال تربوي أقضّ مضاجع الدول والمصلحين..والإسلام يبين أن العشرة الزوجية محبةٌ في النفس،يسكن به الزوجان،فيكون كل منهما مُكملاً للآخر(وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً)اختلال العشرة بين الزوجين،يذكي نار الفرقة،وذلك سببٌ لسعادة المجتمع فالخير للأهل خيرٌ للناس،قال صلى الله عليه وسلم..(خيركم خيركم لأهله،وأنا خيركم لأهلي)وقال(خير متاع الدنيا المرأة الصالحة واظفر بذات الدين تربت يداك)الدين للزوجين والأسرة خير كله،فمهما اختلفا وتدابرا فهو مرجعٌ للمشكلات ومريح للنفسيات ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه،فهو يسرٌ،ورحمةٌ ومغفرةٌ،وهو عهدٌ ووفاء، فالمرأةُ مأمورة بسماع رأي زوجها وطاعته وذلك دين وخلق تقول عائشة رضي الله عنها..(يا معشر النساء لو تعلمن بحق أزواجكم عليكن،لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بحُرِّ وجهها)والرجل بدينه وعقله وحكمته يحسن إلى زوجته ويرعاها..وإذا قدّرَ الله الطلاق فلأجلِ أن يتفرقا بالمعروف والإحسان،(يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وٰسِعاً حَكِيماً)
عباد الله..الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة،ففرقُ الطباع وارد والعشرةُ بالمعروف(وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)الصبر واجب بين الزوجين على طباع بعضهما وتغير الزمن وطول العشرة..وظروف الحياِة الزوجيّةِ ليست صافيةً على الدوام،فقد يتعكّرُ الجو،وإن الراحةَ الكاملةَ نوعُ وهم،ومن العقلِ توطينُ النفس على قبول بعض المضايقات،(فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) قال صلى الله عليه وسلم..(لا يفركْ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقا رضي منها آخر)رواه مسلم ومن يتتبعْ بشريكِ حياتِه العثرات فسيجدْها ولن يسلم له صاحب،وإذا تأملنا بيوتنا في السابق نجد آباءَ وأجداد حافظوا على الزواج على ما كان فيه من فقرٍ وضعفِ معيشة واليوم مع الترف بيوتاتٌ كثيرة فقدت روح التدين والصبر فوُجدت فيها أزماتٌ من أهون الأمور،فقد تطلق المرأة اليوم بسبب عشاءٍ لأصدقائه لم يُعدَّ،وقد تُعلّقُ وتتركُ بسبب خلافٍ يسيرٍ وتصرّفٍ أحمق..بعضُ الأزواج يستخدم الطلاق كتهديدٍ لتنفذ الزوجةُ المسكينة رغباته ولو كانت محُرمةً أو مخالفة..أو تجد من يستخدم الطلاقَ يميناً لعزيمة عشاءٍ أو لمنع الزوجة من عمل شيءٍ أو خروجٍ أو تجدُ بعضَ النساء لجهلها تطالب دوماً بالطلاق عزّامةً ندّامة ليُصيبها الندمُ بعدَه!!
عباد الله..لقد كثر الطلاق اليوم،لما فُقِدت قِوامةُ الرجل أو ضعُفت ببعض المجتمعات،وأصبحت المرأةُ سيدةً مُطاعة،وركن بعض الناس لما يشاهدونه بقنواتٍ قلبت مفاهيمَ العشرةِ،وأفسدت الحياة الزوجية،من حيث لا يشعرون،فأثرت على الأسرة وساهمت بتفريقها!!فكثر الطلاق اليوم لما فقدنا زوجاً يغفر الزلة ويستر العورة وزوجاً يخافُ الله ويتقيه ويرعى حدوده ويحفظ العهود والذكريات الجميلة..كثر الطلاق حينما فقدَت زوجاتٌ اهتمامَهن بالبيت ورعايةَ الزوج والولد فالشراءُ والمظاهرُ أهم..تريد الخروجَ متى شاءت,وتدخل متى أرادت, لأسواقٍ وحفلاتٍ مُضيعةً بيتَها..كثر الطلاقُ اليومَ حين لا تجدُ زوجاً يرعى الذمم,قليلُ الأخلاق والشيم,يأخذُ زوجتَه من بيت أبيها عزيزةً كريمةً فيضربُها ويأخذُ أموالَها ويُهدِّدُها ثم يردُّها لبيت أهلها حزينةً باكيةً مُطلقةً ذليلةً..كثر الطلاق اليوم لأن الزوج استخفَّ بالحقوق والواجبات وضعفت ثقافة المعاملة فيما بينهم وضيعوا الأمانات..سهر واستراحات لساعاتٍ متأخرة,وإهمال للبيوت والأولاد فتحصل فجوةٌ عظيمة داخل الأسرة تكون سببا للمشكلات..كثر الطلاق اليوم وبحسب الإحصاءات لما كثرت المسكرات والمخدرات فذهبت العقول وساءت التصرفات..كثر الطلاق لما كثرت النعم وبطر الناس فضل الله مع الترف,وأصبح بعض الأغنياء لا يبالي أن يتزوج اليوم ويطلَّقَ غداً..كثر الطلاق اليوم لما تغيرت مفاهيم الناس عن الحياة الزوجية بأن يكون الأب راعياً حنوناً وأن تكون الأم قائمة بواجباتها والأولاد بارّون بآبائهم وبعدم تدخل الأقارب في الإفساد بينهم..فبعض الآباء والأمهات بتدخلاتهم غير المناسبة يعقدون المشاكل ولا يحلونها..أو يظن الأب أن ابنته إذا جاءت مطلقةً إليه أكرم لها بدار أبيها دلالاً مذموماً لها خلافاً لمصلحتها!!
الحياة الزوجية عباد الله..حياة قوامة للرجل وحنان من الزوجة والأم وتحمّلُ الأسرة لمصاعبِ الحياة.. وقوامةُ الرجل في بيته لا تعني الاستبداد والقهر،وليست إضاعةَ حقوقِ المرأة وإهانتَها أو عقدَ استرقاقٍ،وصلةَ جسدٍ وغيابَ روحٍ ومحبّة!!هي أزكى من ذلك وأجل(وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ)قوامة الرجل،لا تعني استغناءه عن زوجه بل،(هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ)
عباد الله، كثر الطلاق اليوم،بسبب سوء خلقِ الرجلِ في بيتهِ وإساءةِ قوامتهِ وعدمِ فهمهِ للحياةِ الزوجيةِ أو بسبب نساءٍ لايعرفن مصلحتهن..كَثُرَ الطلاقُ اليوم لما وُجدَ الحسدة والواشون ممن ينقل الكلام للإفساد بين الناس،ويتدخلون فيما بين الزوجين بزعم الإصلاحِ ولو ابتعدوا لكان أفضل إذا كان تدخلهم سيُفاقم المشكلة وهناك آخرون يتدخلون وهم يفسدون وما علموا أنَّ من أفسد زوجة على زوجها أو العكس لعنه الله كما في الحديث وإذا لم يكن العلاج للإصلاح وبعقلٍ راجح وعادل فلن ينجح..وقد يُوجدُ من يظلم بتعليق الزوجة وأهلها بعدم إنهاء طلاقها كي لا تتزوج بعده أو لخلاف بينهما ويقصد إيذاء الزوجة فيكون عليه إثم عظيم..
إخوتي..العلاقاتُ الزوجية،عميقةُ الجذور،بعيدةُ الآماد،فرحمَ اللهُ رجلاً محمودَ السيرةِ،طيبَ السريرةِ، سهلاً رفيقاً،ليناً رؤوفاً،رحيماً بأهله،ولا يكلفهم،وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطاً،ولا تحدث عنده لغطا،قال صلى الله عليه وسلم(إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشرها)رواه أبو داود وقال صلى الله عليه وسلم..(إذا صلّتِ المرأةُ خمسها،وحصَّنَتْ فرْجَها،وأطاعت زوجها،دخلَت من أيِّ أبوابِ الجنة شاءَت)رواه ابن حبان وبهذا كله،يَفْهَمُ الرجلُ أن من نعم الله عليه،الزوجةُ اللطيفةُ العشْرَةِ،القويمةُ الخُلقِ،وتْسرُّه إذا نظر وتحفظه إذا غاب..وتطيعه إذا أمر،ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره،ولن تكون مؤكداً كاملة لكنها بحسن عشرتها وخلقها دعامةَ البيتِ السعيد،والزوجُ يقابلُها بمثل هذه المعاملة،والحياة أيها الأزواج وياوالديهم صعبة وتحتاج لصبرٍ بين الزوجين وأن يلتمس كل منهما لقرينه المعاذير بغضِّ الطرف عن الهفوات والزلات،لتستقيمَ العشرةُ بينهما ويكونان سنداً لبعضهما على مصاعب الحياة يأتي صلى الله عليه وسلم إلى خديجةَ فزعاً مما رأى بغار حراء في أول الوحي فتثبته(كلا والله لا يخزيك الله أبدا،إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث،وتحمل الكل،وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق)بمثل هذا فلتكن العشرة أيها الأزواج،بالعسر واليسر،بمثل هذا فلتكن الحياة الهانئة السعيدة،في النفس والولد والمال فيا من يريد الطلاق!صبرٌ جميل وإذا أردتَ الطلاقَ ترّيثْ فيه واستشر وراجعِ الحكماءَ وأهلَ الرأي واسألْهُم عما أنت فيه وخذ منهم كلمةً تُثبتكَ,ونصيحةً تقويك,وإذا أردت الطلاق فاستخرِ الله وأنزل حوائجَك واعلمْ أن المرأةَ إنما خُلقت من ضلعٍ أعوج و أعوجُ ما في الضلعِ أعلاه فان أردت أن تُعدِّلَه كسَرْتَه وكسرها طلاقها ولكن رفقاً بالقوارير ثم اعلمواـ رحمكم الله أن لكلا الزوجين حقا على الآخر؛فحقٌ على الزوج الإنفاق عليها،ولا يُكلّفُها من الأمر مالا تُطيق،وأن يُسكنها في بيتٍ يَصلُحُ لمثلِها،وأن يُعلِّمَها،ويغارَ عليها،ويصونها،ولا يَتَخَوُّنُها،أو يشَكُّ بها بلا داعٍ يُذكر،وأن يعاشرها بالمعروف،قال صلى الله عليه وسلم..(استوصوا بالنساء خيرا)متفق عليه،وسُئلَ صلى الله عليه وسلم.. مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟قَالَ..أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ،وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ،أَوْ اكْتَسَبْتَ،وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ،وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ)رواه أبو داود،ومن حق الزوج على زوجته،طاعته بالمعروف،وأن تتابعه في مسكنه،وألَّا تصومَ تطوعاً وألّا تأذنَ لأحدٍ في بيتهِ،وألا تخرجَ وألا تخرجَ إلا بإذنه،وأن تشكر له نعمته عليها ولا تكفرها، وأن تدبر منزلَه وتُهيئا أسبابَ المعيشة به، وأن تحفظه في دينه وعرضه قال صلى الله عليه وسلم..(أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة)رواه الترمذي والحاكم.. اللهمَّ احفَظ بيوتنا وبيوت المسلمين،واجعَلها عامرة بطاعتك.اللهم جنِّب بيوتنا وبيوت المسلمين كلَّ شرٍّ وأذيَّة، ربَّنا هبْ لنا من أزواجنا وذريَّاتنا قرَّة أعينٍ، واجعَلنا للمتَّقين إمامًا..أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده.....
الإصلاح بين الناس خاصةً الزوجين حثَّ عليه الشرع الحكيم (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)وسيتحقق النفع مع النية الحسنة فلا يأنف عنه أحد أو يستصعبه فأجره عظيم وهناك جهاتٌ خيرية تضع المتخصصين لحلِّ مشكلات الأسرة وما تتعرض له وكذلك مشايخ نذروا أوقاتهم للمساعدة و الاستشارة فواجبٌ على كل من تعرّض لمشكلة أسرية من زوجة وولده ووالده للاستشارة قبل اتخاذ القرار الذي يهدم الأسر ويفككها وكذلك مهمٌ حضور الشباب للدورات التي تسبق الزواج..ثم نداءٌ ورجاءٌ لقضاةِ المحاكم الأفاضل ورجال وزارة عدلنا الأماثل أنتم المسؤولون عن النكاح في بدايته ثم الطلاق في نهايته!!فالحرص مع عقد النكاح على تهيئة الزوجين للحياة الأسرية بما ترونه من برامج مطلوب..ثم الاعتناء بما يأتيهم من مشكلات بينهما واجب..فليس الطلاق معاملة روتينية تنتهي بمراجعة الزوج ليُطلقَ فقط! ثم ترتفع نسبة المطلقين عندنا لنسبٍ خياليِّة تصل للثلث كلا! بل لابد بالاستعانة بجهاتٍ مختصةٍ للإصلاح والإرشاد الأسري توضع لها مكاتب لأنها عونٌ لهم وقد يتهيأ لهم مع الخبرة والتفرغ الإصلاحَ بينهما..وهذه الجمعيات بحمد الله مصرحة ومتوفرة في وطننا وحققت نجاحاً في حل المشكلات الأسرية..فياليت يستعان بها في كل محاكمنا لتكون عوناً لقضاتنا الفضلاء وسبباً للتقليل من المشكلات وهي جمعياتٌ واجبٌ أيضاً دعمها وتقويمها جزاهم الله كل خير والله نسأل أن يجمع شمل الأزواج والأسر ويجنبهم فتن الشقاق والطلاق وأن يبارك في الجهود..اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين..ورفع راية الحقِّ والدين..واجعل هذا البلد آمناً مطمئنا سخاءً رخاءً وجميع بلاد المسلمين..اللهم انصر جنودنا واحم حدودنا وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا..


 0  0  640

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.