• ×

05:21 مساءً , الأحد 11 ذو القعدة 1445 / 19 مايو 2024

الغضب سبب المشكلات

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله الذي أرشد الخلق إلى أكمل الآداب، وفتح لهم من خزائن رحمته وجوده كل باب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العزيز الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بأجل العبادات وأكمل الآداب، صلى الله عليه وعلى جميع الآل والأصحاب وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب وسلّم تسليما أما بعد ..فيا عباد الله اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه .
ما أجمل العفو عند المقدرة ، وما أجمل الحلم والصفح بدلاً من الغضب والثأر الذي كان ديناً للجاهلين قبل الإسلام حين يفتخرون بحالتهم و غضبهم .
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
جاء الإسلام ليكفكف النزوات، ويمنع العجلة في التصرفات، ويقطع دابر الندم، وليقيم أركان المجتمع على الفضل فإن تعذر فبالعدل وجودة الخلق، وحسن العواقب، و يهيئ سبل الاستقرار، ولن تتحقق هذه الغاية إلا عندما يهيمن العلم النافع، والعقل الراشد، والتدين الصحيح على غريزة الجهل والغضب .
إن من أشد ما يدفع الشخص إلى التصرفات الطائشة، ويجره إلى الندم السريع، ويوقعه في الحرج والضيق هو التصرف عن عجلة وغضب و كم من تصرفات و أفعال نسمع عنها مؤخراً إذا بحثت في أسبابها تجد أنه الغضب ..و ما أدراك ما الغضب ؟؟!! .
فكم من شخص بسبب لحظة غضب وتعجل هدم أسرته وشتت شملها بطلاق أم أولاده؟! كم من شخص بسبب تلك اللحظة الغضبية التي فقد فيها السيطرة على أعصابه هدم كل عناصر الود والصداقة مع زميل قديم وصديق وفي؟!
كم من شخص بسبب الغضب لعن والديه وتلفظ عليهما بأشنع عبارة تخرج من لسانه؟! كم من شخص بسبب لحظة الغضب تنكر لمن أسدى إليه معروفاً وصنع له جميلاً؟! كم من شخص جر على نفسه بل وعلى مجتمعه ـ بسبب الغضب والعجلة ـ مآسي وأحزان .. إلى آخر تلك التصرفات التي يفقد فيها الشخص رشده وصوابه وسيطرته على نفسه, فيسب ويشتم ويتهم ويتبرم ويتصرف تصرفات خاطئة بل قد تكون مميتة.
في مثل هذه المواقف نتذكر أدب الإسلام وموقفه الذي ضبط العواطف، وحكم العقل،
ودعا إلى الأناة والتبصر.
إن أول ما يدعو إليه الإسلام هو الرفق وعدم العجلة في التصرف واتخاذ القرار. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)) رواه مسلم. فالرفق محبوب من الله والرفق يحقق الله به الغايات مالا يحققها بالعنف.
أيها الإخوة المؤمنون ..كثير من النصائح التي أسداها رسول الله للناس كافة كانت تتجه إلى تشجيع الحلم علاجا لغريزة الغضب ، ولذلك عد المسلمون مظاهرا الطيش والتصدي ، والعنف والأذى ، شرودا من القيود التي ربط بها الإسلام الجماعة المسلمة، لئلا تميد ولا تضطرب يقول عليه الصلاة والسلام((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) رواه البخاري .
إن من الناس من لا يسكت عن الغضب فهو في ثورة دائمة ، وتغيظ يطبع على وجهه العبوس ، إذا مسه أحد بأذى ارتعش كالمحموم ، وأنشأ يرغي يزبد ، ويلعن ويطعن بل و يفتخر بذلك و يزعم أنه طبعٌ لا يتغير ، والإسلام برئ من هذه الخلال الكدرة ، قال رسول الله (( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذئ )) رواه الترمذي وقال حديث حسن ولقد حرم الإسلام المهاترات وتبادل السباب وكم من معارك ضارية تبتذل فيها الأعراض وتنتهك فيها الحرمات ، وما لهذه الآثام من علة إلا تسلط الغضب ، وضياع الأدب ، وأوزارها تعود على المُوقِد الأول لجمرتها يقول : ((المستبّان ما قالا فعلى البادئ منهما ، حتى يعتدي المظلوم)) رواه مسلم .
أيها الأخ المسلم..إن المسلك الأمثل في ذلك كله والذي يدل على العظمة والمروءة دائما هو أن يبلغ المرء غضبه فلا يفْجُر ، وأن يقبض يده فلا يقتص ، وأن يجعل عفوه عن المسيء نوعا من شكر الله الذي أقدره على أن يأخذ حقه إذا شاء، قال الأحنف بن قيس " احذروا رأي الأوغاد. قالوا وماهم قال الذين يرون الصفح والعفو عارا ".
إن كمال العلم في الحلم،ولين الكلام مفتاح القلوب يستطيع المسلم من خلاله أن يعالج أمراض النفوس وهو هادي النفس مطمئن القلب،لا يستفزه الغضب،ولا يستثيره الحمق ، فلو كان الداعي سيء الخلق،جافي النفس،قاسي القلب، لانفض من حوله الناس،وانصرفوا عنه فحرموا الهداية بأنوار دينهم ، فعاشوا ضُلَّالا وماتوا جّهالا وذلك هو الشقاء وهو سببه وعلته .
وتتفاوت درجات الناس في الثبات أمام المثيرات ، فمنهم من تستخفه التوافه،فيستحمق على عجل ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقى على وقعها الأليم ، محتفظا برجاحة فكره ،وسجاحة خُلُقه وأما الرجل الحليم حقا ، هو من إذا حلّق في آفاق دنيا الناس اتسع صدره وامتد حلمه ، وعذر الناس والتمس المبررات لأغلاطهم ، فإذا ما عدا غرٌّ يريد تجريحه ، نظر إليه من علوّ وفعل ما كان قال الأحنف بن قيس رحمه الله ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث إن كان فوقي عرفت له فضله ، وإن كان مثلي تفضلت عليه ، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه ،انتهى كلامه رحمه الله وهو المشهور بالحلم وبذلك ساد عشيرته .
عباد الله..اعلموا أن الحليم ، إما أن يكون حليما مفطورا على الخير مجبولا عليه، وهذا كأشج عبد القيس الذي قال له (( إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله ، الحلم والأناة ، فقال أشيء تخلقت به أم جبلت عليه يا رسول الله ؟ فقال لا بل جبلت عليه ، فقال الحمد لله جبلني على خصلتين يحبهما الله ورسوله )) رواه مسلم .
وإما أن يكون الحليم ثائر النفس أزعجه مَن ظَلمه فيصبر محتسبا ويصفح قادرا ويأمره إيمانه بالعرف والعفو عن الجاهلين ، وهذا هو المثاب في الدنيا والآخرة ، والمشكور عند الله وعند خلقه ، وهو الموصوف بالشدة والقوة ، كما في قول الرسول (( ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )) رواه البخاري ومسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وغيره بسند صحيح ((من كتم غيظا وهو قادر أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ، يزوجه منها ما شاء )).
أيها الناس..قلة الحلم وكثرة الغضب آفتان عظيمتان، إذا انتشرتا في مجتمع ما قوضتا بنيانه ، وهدمتا أركانه وقادتا المجتمع إلى هوة سحيقة ، ونخرتا كما السوس في جسر المجتمع المسلم حتى يؤدي به إلى الهلاك والعياذ بالله ، ألسنا نرى ضياع المجتمعات الإسلامية ، واندثار آدابها وكثرة الخلافات بين دولها وشعوبها فساعد ذلك على تقطيع الأواصر والروابط،وإشاعة أجواء التباغض والتدابر والتحاسد وإظهار الشماتة على الأمة المسلمة من قبل أعدائها يقول عليه الصلاة والسلام((إن الله رفيق يحب الرفق،ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العن،وما لا يعطي على ما سواه ))رواه مسلم
انظروا مثلا إلى الحالات المتعددة والمنتشرة للطلاق أو ما يكون بين الزوجين من شقاق ، مما أدى إلى التفريق، وهدم البيوت، وتفويض الأسر، أليس ذلك في الغالب نتيجة من الغضب وقلة الحلم ؟ حيث ترى الزوج بعد ذهاب غضبه يندم ولات ساعة مندم، ويتأسف على ما مضى ، ويرى أنه قد جنى على نفسه بالحرمان وعلى زوجته بالعقوبة ولا ذنب لها ، ويتّم أولاده وهو لم يزل حيا ثم يبحث لنفسه عن المعاذير، ويقلب في الفتاوى لدى المفتين لمحو غلطة ارتكبها دون تفكير أو روية ، أو تدرجٍ في التأديب، مما تسبب في هدمٍ كان بإمكانه علاجه لو ملك عقله ، وأشهر حلمه ، وكف غضبه ، من نتائج الغضب وثمراته أنك ترى إخوة من أب واحد يختلفون فيما بينهم لأتفه الأسباب فيعمل الغضب فيهم عمله فيتعادون ويتقاطعون، فيتبدد بذلك شمل الأسر وتراهم يتسابُّون ويتشاتمون وقد أخذهم الغضب كل مأخذ .
هذا هو الغضب إخوتي الذي ينبغي علينا تجنبه والحذر منه أعاذنا الله وإياكم من الغضب ، ومن سوءه وآثاره ورزقنا وإياكم الحلم والتحلُّم إنه سميع مجيب .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين .
كما أنه يجب علينا جميعا أن نعمل بتعاليم ديننا الحنيف،وأن نأخذ بإرشادات نبينا صلوات الله وسلامه عليه كما يجب علينا أن نقصر أنفسنا عن الغضب،ولا نتسرع فيما يعود علينا بالحسرة والندامة ، والمرء المسلم مطالب بكتمان غيظه وإطفاء غضبه بما استطاع من تحلم وتصبر،واستعاذة بالله من النفس والهوى والشيطان ، وعليه أن يترفق ألاً: في أهله ، وثانيا: برعيته وجيرانه ، وعملائه ومواطنيه ، فلا يكون بغضبه عونا لزوجته على النشوز ولأبنائه على العقوق ، ولأقاربه على القطيعة ،ولجيرانه على الإساءة،ولرعيته على التمرد،وللناس كافة على هجره ومجانبته وهذا ما نراه دائما في حال من اشتهروا بالغضب والحرارة الزائدة .
أيها الأخوة المؤمنون..إن الغضب يختلف في دنيا الناس باختلاف الأحوال والظروف لكنه غالبا لا يخرج عن ثلاثة أحوال
الأول : حال الاعتدال بأن يغضب ليدافع عن نفسه أو دينه أو عرضه أو ماله ، ولولا ذلك لفسرت الأرض بانتشار الفوضى وتقويض نظام المجتمع لكن غضبه هذا ينبغي أن يكون مقترنا بالحكمة والمعرفة والعقل الرشيد .
الحالة الثانية : أن يخطوَ الغضب عن الاعتدال بأن يضعف في الإنسان أو يفقد بالكلية وهذه الحال مذمومة شرعا، لا سيما إن تعلقت بانتهاك حرمات الله تقول عائشة رضي الله عنها : ((ما ضرب رسول الله e شيئا قط بيده ، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله تعالى )) رواه مسلم.
الحالة الثالثة : أن يطغى الغضب على العقل والدين وربما جر صاحبه إلى ارتكاب جرائم كبيرة ، وموبقات كثيرة .
ولا يمكن التخلص من هذه العقبة إلا بفعل ما أرشد إليه عليه الصلاة والسلام : ((إذا غضب أحدكم فليسكت )) روه أحمد واستّب رجلان عند النبي فاحمر وجه أحدهما غضبا فقال : ((إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه مايجد لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لذهب عنه ما يجد)) رواه البخاري وقد ثبت عنه أنه أمر الغضبان بالوضوء لأنه يطفئ الغضب كما يطفئ الماءُ الناَر نسأل الله جل وعلا أن يلهمنا رشدنا وأن يقينا شر نفوسنا وأن يهدينا سبل السلام أقول...
الخطبة الثانية الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و بعد ..
نعيش هذه الأيام مرحلة القيظ حيث يشتد الحر مسبباً عدداً من الإشكالات ينبغي التنبه لها و الوقوف عندها منها :
قال رسول الله  اشتكت النار إلى ربها قالت يا ربي إن بعضي يأكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين تتنفس بهما ..فأشد ما تجدون من البرد فهو من زمهريرها و أشد ما تجدون من الحر فهو من حميمها
نسأل الله جلَّ و علا أن يعيذنا ووالدينا و ذرياتنا و جميع المسلمين من حر نار جهنم الذي لا يطيقه أحد و نسأل أن يضله في ضله يوم لا ظل إلا ظله يوم تدنوا الشمس من العباد بمقدار عميل كما قاله صلى الله عليه و سلم
عباد الله..من الوقفات أيضاً أن نتذكر في هذا الحر ما نعيشه من نعم عظيمة نتقلب فيه من مكيفات تقينا شر هذه الحرارة في بيوتنا و مساجدنا و مقرات أعمالنا و سيارتنا فواجب أن نتذكر هذه النعمة التي نعيشها و ننهج إلى الله بشكرها على توفرها و تخيلوا حالنا بدونها .. و من معاني شكر هذه النعمة ألا نسرف فيها و ذلك بالترشيد باستخدام الكهرباء للمكيفات و الإنارة ووضع الضوابط المنظمة لترشيد الكهرباء في البيوت و المساجد حتى لا تتكرر المشكلات التي تقع كل عام في الكهرباء..من الوقفات أيضاً أن بعض الناس يعلوه الغضب الشديد و ضيق النفس و التضرم مما ينعكس على سوء تصرفاته مع الناس و هذا غير صحيح و لا بد للإنسان من أن يدافع عن نفسه هذا الغضب و يحرص على تجنبه
نسال الله جل و علا أن يرقق من أخلاقنا و يرزقنا الحلم و العلم و سعة الأفق و حسن الخلق .


 0  0  514

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.