• ×

04:55 مساءً , الثلاثاء 28 شوال 1445 / 7 مايو 2024

شبابنا والعمل!طاقاتٌ مهدرة!!

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

‏‫الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً..أما بعد فاتقوا الله عباد الله ..واعلموا أن الشبابُ في أيِّ أُمةٍ مصدرُ قوتها أو ضعفها.. وتصرفاتهم تعطي عنواناً لأُمتهم..واستغلالُ طاقاتهم وأوقات فراغهم مسؤولية كبرى وتركهم نهباً للفراغ والترف جنايةٌ عُظمى والحديث عنهم مسؤوليةٌ كبرى..والمُتأمِّلُ لواقعِ بعض شبابنا اليوم سيرى مظاهر غير مرضية تحتاجُ لعلاجٍ وبحثٍ في الأسباب وتمثل قلقاً للوالدين والمسؤول!!مظاهرُ تعطِّلُ إن لم تُدمّر طاقاتِ الشباب خاصةً مع فراغٍ وقلةِ طموح وروحِ تمردٍّ تُغري بعضهم..وقد تجرُّهم لمخاطر وفتنٍ تعود عليهم وعلى أسرهم وأوطانهم..مع استهدافٍ للشباب ممن يريد الفساد والإلحاد في أوساطهم وبعضهم وقع فريسةً لذلك!!كل هذا يفرضُ علينا أن نحذرَ بوضع برامجَ وحلولٍ لحماية الشباب..واستغلال طاقاتهم ومعالجة همومهم التي قد تدفع بعضهم للزلل والخطأ مع بطالة عن العمل أصبحت منتشرةً بشكلٍ يُقلق كثيراً حتى عند غيرنا..ونحتاج معها للبحث عن حلولٍ لها وفتحِ آفاقَ جديدةٍ حولها وهي مسؤوليةٌ كبرى على الدول ورجال الأعمال وغيرهم..بفتح فرص العمل..

لكن الحديث الأول يتوجه للشباب..-نعم- لك أيها الشاب فكثيرٌ منهم بسبب الترف أصبح يتقاعس عن العمل،ويؤثر حُبَّ الراحة والدعة والكسل ولو كان ذلك على حساب معاشه في حياته واستعداده الدنيوي ليكون عالةً على غيره..شبابٌ صحيح قوي يمتدُّ به العمر يقضي ليلهَ ساهراً ونهاره نائماً ومن العمل عاطلاً رغمَ فرصِ العمل الموجودة أمامه بالسوق لكنه يهملها لأنها تحاج لصبرٍ وتعبٍ فتراه يبحث عن أقلَّ عملٍ لايكلفه الوقت والطاقة ليجلس خلف مكتب مريح ولو بدخلٍ ضئيل لا يوازي حاجاته مما سبّب بطالةً مُقنّعةً وتوظيفاً وهمياً لا يُنتجُ عملاً ولا يعطي نتيجة والأخطر وجود آباءَ وأمهاتٍ وفَّروا لأولادهم ما يحتاجون كيلا يعملوا ويجتهدوا..ظانين أنَّه صلاحٌ لهم بينما هو ضياع للقدرات والطاقات فهل هذا أمرٌ طبيعي وصحيّ!!مهمٌ زرعُ ثقافة العمل وطلب الكسب في الأسرة والتعليم وحتى لدى الأغنياء!!

لقد خلق الله البشر في هذه الأرض،واستعمرهم فيها،إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ليبلوكم أيكم أحسن عملاً((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ))..فعمارةُ الأرض كما أمر الله توجهٌ محمود،وعملٌ من الصالحات وسعيٌ مبرور، والمؤمن يخوضُ كل مجالٍ مشروع، ويسافر ويغترب،ينصر دين الله ويُعلي كلمته ويُعزُّ أمته ويُقوي شخصيته دنيا وآخرة((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)).

إن هذا الدين لا يقام بالهمهمات،ولا بالبطالة،والحضاراتُ تُبنى بسواعد أبنائها والأمم تأخذ بأسباب القوة في ذاتها وأعمالها وسلاحها..((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)) فالنهضة بالعمل من تجارة وصناعة وغيرها مطلوبٌ لكل أمة..فأي قوةٍ تُرجى بقومٍ ليس عندهم مما عملت أيديهم ما يكتسبون ولا حتى مما ينتعلون؟؟حتى بعضَ ما يأكلونه أو يركبونه وإذا احتاجوا يستوردون يمنُّ غيرهم عليهم بالطعام وبالكساء، ويُحسن إليهم بالعلاج والدواء فأصبحوا ضعفاء والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير،واليد العليا خير من اليد السفلى!!

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ. وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ

ماذا يُرجى من ناشئةٍ لا تعرفُ قيمة العمل؟أسرهم وآباؤهم لا يربّونهم على ثقافة العمل والكسب!!كيف يريد النهضة مَنْ همته في أكله ولبسه ولا يعرق له جبين؟!تضيع مواهبهم وطاقاتهم في التوافه إلا من رحم الله!! ودولهم عاجزة عن تجنيدِ مواهبهم في أنواع الأعمال والصنائع ونهضة بلادهم، فآثار البطالة عظيمة السوء على الشباب وعلى المجتمع بشكلٍ عام بانتشار الجريمة وضياع الأوقات وفشل بناء الأسرة ومن ثمَّ المجتمع..

لقد عدّ أهلُ العلم والعقل حاجاتِ الأمةِ من الأعمال والصنائع والحرف فروضَ كفايات،كحراسة الأمن،ودواوين القضاء،وإجادة الأعمال، وامتهان الحرف،وكلَّ ما فيه عمران الأمة،يُتحرَّى لها الكفء قضاءً وتدريساً وإدارةً وصناعة ومهنة وحرفةً،لأن المجتمع محتاجٌ إليها لا يقوم إلا بها هي مواهب وقدرات وهمم متفاوتة قسَّمها الله بين خلقه، ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً. فليس هناك عيبٌ بأيِّ وظيفة تخدم بها نفسك ثم مجتمعك ووطنك! العملُ ليس عيباً لكن العيب بالبطالة وقضاء ساعاتٍ طوالٍ وأيامٍ وليالٍ باستراحاتٍ ومقاهي بلا هدفٍ ولا عملٍ كما هو حال بعض الشباب بغفلةٍ من والديهم..إن هذه الأعمال عباداتٌ تحافظ على الأمة والمجتمعات،وتصون الدين وتحفظ الشباب أين منها دور رجال الأعمال وأصحاب المحلات باستنهاض همم الشباب وتشجيعهم وتدريبهم على العمل والصبر أيضاً عليهم وتيسير السبل أمامهم لا تصعيبها حتى تنهض الأمة بمجموعها في صناعتها فلا تكون متكلةً على غيرها.

أيها الشباب..إن بعضَكم يظن أننا حين نشجع على العمل وترك البطالة نقصد توفير مبالغ يصرف منها الشاب على نفسه وأسرته فقط وهذا لا يكفي فللعمل ونبذ البطالة فوائد كبرى على شخصيتكم وجديتكم وتُعلّمكم حرفة وتكسبكم خبرةً..البعض يلجأ لوظيفة حكومية يريد منها الراحة رغم قلة مدخولها ويُضيعِّ فرصاً أخرى في التجارة والكسب وهذه قناعة خاطئة..ولابد من تعاون الجميع للنهضة بالشباب فهل يُعقل أن بعض الآباء والأمهات لا زالوا يعطون أبناءهم المصروفَ اليومي وهم تجاوزوا العشرين بل الثلاثين من العمر؟!..هل يعقل ضياعُ فرصٍ ذهبيةٍ للأعمال والوظائف في بلادنا تُكسبُ الإنسانَ دخلاً مناسباً لكن شبابَنا لترفهم وجهل أسرهم لاطموح لديهم في البحث عنها وتركوها لغيرهم لأنها تحتاجُ فقط جدّيةً وصبراً..تأتيهم الإجازات بفرصها وهم نائمون عن استغلالها ويضيعون طاقاتهم بها بالسهر والسفر وإضاعة المال!!

أخي الشاب..لو علمت الخير الذي ينتظرك بامتهانك لحرفة أو إنشائك لعمل تكسب من خلاله دخلاً كبيراً ستحصله وكذلك حرية للوقت وكسباً للعلاقات والمعرفة بالمجتمع لسارعتَ إلى مهنة حرةٍ بدل البطالة أو وظيفة لاترقى بعقلك ودخلك!!واليوم أصبح امتحان العمل والحرفة وإنشاؤها سهلاً بدعمٍ حكومي وخاص وبرامج تقدم التدريب والتأهيل مما يساعدك للبداية بعملٍ مناسب لك!!

أيها الشباب..انظر للعمل بجميع نوعه على أنه عبادة ووسيلة لتزكية الفرد ورفعة الجماعة وقوة الأمة..سواءً كان حرفة أو مكتباً أو ميدانياً!! أليس مؤسفاً اعتمادُنا اليوم بأمالٍ مهنيّة على دولٍ أصبحنا لا نستغني عنها وكان يفترض بشبابنا أن يقوم بها لكنهم تكاسلوا عنها؟!

أيها الشاب..ارفع الهمّة وانفض غبار الكسل،فسببُ ضياعِ الطاقات هو سقوطُ الهمّةِ وفتورُ العزيمة،فالرجل إنما يترك الجدَّ في طلبِ العمل والرزق حين تنحطُّ همته وتصغر نفسه،أما من شمَّر وجدّ،وضرب في الأرض ابتغاء فضل الله وطرق الأبواب،وسلك المسالك واستسهل الصعب فهو جديرٌ بحياةٍ كريمةٍ تأسياً بعظماء الرجال..ولنا من الأمثلة التي نراها في مجتمعنا لدى بعض شبابنا ممن يكافح ويعمل بجد واجتهاد ما يرفع الرأس ويفرح ويصنع قدوة للشباب حققوا المعالي بكفاحهم وحرفتهم منهم بائع الخضار والكهربائي والميكانيكي والتقني.. إن دور الحرفة والعمل أياً كان نوعهُ يُكسب صاحبَه خبرةً ويبني شخصيتَه ليواجه أعباء الحياة ويعرف الخطأ من الصواب..وإذا كان العمل يُكسبُ أهلَه الاستغناء والكرامة،فإن في البطالة ذلّةً وهواناً. يقول عمر رضي الله عنه((أرى الفتى فيُعجبني،فإذا قيل لاحرفة له سقط من عيني))فأين تلك القوائم الكبرى من الأسر والشباب ممن يعيشون حياتهم لاستلام مساعدات وزكاة من ضمانٍ اجتماعي أوجمعياتٍ خيرية وهم وافروا الصحة والقوة لكنهم لايهتمون بإعداد أبنائهم للعمل والاكتفاء الذاتي ولو بالقليل بدلاً من السؤال والبطالة.. وهنا يأتي دور هذه الجمعيات وجهات الضمان والشؤون الاجتماعية في تأهيل منتسبيهم للعمل والكسب وتشجيعهم على الاكتفاء كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن جاءه يسأله مالاً فحثه على العمل والكسب بجميع أنواعه وشجعه ودعمه..يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:[مكسبةٌ أي مهنة فيها دناءة خير من مسألة الناس]..أصحابُ الهمم العالية،لايرضون بالدون حتى ولو وجدوا من يكفل معاشهم هاهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بعد الهجرة إلى المدينة لا يقبل مساعدة أخيه سعد بن الربيع،ليشاطره ماله،بل قال دلوني على السوق فنزل في التجارة حتى أصبح من أغنياء الصحابة،ينفق على الجيوش في سبيل الله،ويُسيّرُ القوافلَ لنصرةِ دين الله كم من الفرص الماليّة في التجارة تحتاج فقط لجهدٍ وصبر؟ّ

وتأمل أخي الشاب حال كثيرٍ ممن مَنَّ الله عليهم بالأموال لينفقوا في سبيل الله وأوقفوا المليارات كيف بدأو حياتهم لتجد أن كثيراً منهم ابتدءوها بأعمالٍ أقلَّ شأناً منهم من عمل حمالاً ومنهم السقَّاءً ومنهم الكاتب والمستورد لكنهم لم يحقروا وظائفهم وكافحوا حتى استغنوا واغتنوا بتوفيق الله لهم.. إنها مسؤولية الآباء ونحن جميعاً شبابنا بتحفيز شبابنا لامتهان العمل الحر ودعمهم مادياً لأنهم بذلك يحمونهم من المخاطر ويبنون شخصياتهم للأفضل..

إن البطالة أيها الشاب تجعل صاحبها كلاًّ على غيره،ويستثقله حتى الأقربون،تتفكك من حوله الأواصر،وتتقطع الصلات،ويصبح عرضه للفساد في السهر والمقاهي والاستراحات..فبادروا أيها الشباب فالفرص أمامكم لتربحوا الدنيا بالكسب الحلال والبذل..((وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))اللهم وفق همم شبابنا للعمل النافع

الخطبة الثانية..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..

إن كآفة الأعمال المباحة ممتدحةٌ في الإسلام محترمةٌ في الأمة،لكنَّ الاحتقارَ والعارَ أن يعيش المرءُ القادرُ عالةً على سعي غيره..المصيبة أن تجد من يحقر أعمال الناس ويزدريها وهذا ما هيأه الله لهم..

وليس بعد أنبياء الله قدوةٌ،فقد زاولوا مناشط من الأعمال متنوعةً،وما نقص ذلك في اصطفاء الله لهم،ولقد قال سبحانه(( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً))وقال صلى الله عليه وسلم((ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم ))أخرجه البخاري فكل عاملٍ له كرامته،وكل حرفةٍ لها مكانتها،والحاجة لكلِّ قائمةٌ،والثواب على قدر النية والعمل.وكلُّ عملٍ أو صناعةٍ أو حرفةٍ تسدُّ حاجةً وتجلبُ نفعاً فهي عملٌ صالح إذا نصح فيها صاحبها وأتقن،وهي لاتقوم على حرامٍ،ولا تعين عليه،ولا يخالطها حرام.. ولا ننسى هنا مساهمةَ الكثير في بناء وطننا من إخوة مسلمين مقيمين تعاونوا معنا على إقامة كياننا ومجتمعنا بالتعليم والبناء والمشاركة الخيرة فإن مما ينبغي على الأمة شكرهم وحفظ حقوقهم وعدم نسيان جهدهم وما بذله البعض من أعمارهم وأفضالهم تعليماً وطباً وبناءً ونظافة وعدم التفريط بخبراتهم أما الإساءة إليهم والتضييق عليهم من قبل بعض أرباب العمل فإنها جريمة عند الله وأمام الناس حين تؤكل حقوقهم وتضيع أموالهم ويساء إليهم وهم الذين قدَّموا خدماتهم لبناء المجتمع قلَّ أو كثر وهم مطالبون أيضاً باتقان أعمالهم وإجادتها ونبذ الغش والخداع من خلالها..كذلك نطالب..رجال الأعمال والشركات وهم يحققون الأرباح زادهم الله وبارك لهم أن يقوموا بدورهم في رعاية الشباب وتأهيلهم للعمل برواتب مجزية تنهض بهم وتكفيهم الفقر والحاجة والفراغ والبطالة ألا فليهنأ كل مسلم بعمله،واعلموا فكلٌّ ميسر لما خلق له..

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان والسلامة والاطمئنان وارزقنا شكرها والمحافظة عليها..اللهم كن لإخواننا في بلاد الشام فقد طال بهم البلاء وعظم الكرب وزاد الكرب فكن لهم يا ألله ناصراً ومعيناً ومؤيداً وظهيراً..فك حصارهم..وأطعم جائعهم ولا تؤاخذنا بتقصيرنا يارب العالمين..اللهم احفظ جندنا المرابطين بحفظك واكلأهم برعايتك

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه




 0  0  1429

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.