• ×

10:55 مساءً , الإثنين 20 شوال 1445 / 29 أبريل 2024

غزوة أحد ودروس للواقع

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد لله من علينا بالأمن والإيمان،وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرحمن،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله مؤيدٌ بالمعجزات والبرهان،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والذين اتبعوهم بإحسانٍ،وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد.. فاتقوا الله عباد الله.

ما أعذبَ الوقوفَ عند سيرة محمد صلى الله عليه وسلم والتأمل في أحاديث الجهاد ومواطن البذل والتضحيات، وقوفٌ يستثير الهمم،وتأملٌ يزيدُ الإيمان، وقوفٌ ليس سرداً للقَصص لكنه ارتباط بالقدوة الأعظم عليه الصلاة والسلام فما أحوج الأمة وهي تعيش عظيم مصابها، ورخص دمائها، وانتهاك مقدساتها وإحراق مساجدها، وسلب خيراتها، وتسلّط طغاتها، وخيانةِ منافقيها، والحرب على بلدانها أن ترجع إلى دينها ولسيرة نبيها،وصحبه الكرام..

غزوةٌ عظيمة من غزواته صلى الله عليه وسلم نستلهمُ منها الصبرَ ونداوي فيها الجراح وماأكثرها...

الخيلُ تأبى غير أحمد حـامياً. وبها إذا ذُكـــر اسمه خُيلاء

كم من غزاةٍ للرسول كريمةٍ فيها رضىً للحق أو إعــلاءُ

في شوال من السنة الثالثة من الهجرة وقعت معركة أحد بين المسلمين الموحدين، ومشركي قريش، التي أعطت الصحابة دروساً مؤثرة بالغة ترسخ في أذهانهم فلا ينسوها، وتخْلدُ في حياتهم فلا يجهلوها، أدركت عائشةُ رضي الله عنها ذلك حين سألته صلى الله عليه وسلم..((هل مر عليك يوم كان أشد عليك من أحد ؟!))لأهميته عنده!!



والهزيمة والنكسة ليست نهاية بل قد تكون بداية تحتاجُها الأمةُ لتراجعَ خطأها وتعيَ حالَها، وتدرك حجمها، والمطلوب منها فَتُعدَّ العُدَّةَ لنصرآخر.. حتى ولو كان معها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا اشتد القتال وحمي الوطيس احتموا برسول الله فلم يكن أحدٌ أقرب إلى العدو منه صلى الله عليه وسلم..

أنت الذي قادالجيوش مُحطِّمـاً عهدَ الضـلالِ وأدَّبَ السفهاءَ

سعدت بطلَّتك السمواتُ العُلا والأرضُ صارت جنةً خضراءَ

اقرؤوا سيرته صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه، لتعرفوا مصائبَهم ومحنَهم، ومنهم أزكى البشرية وأتقاها، وجيلُهم خيرُ أجيال المسلمين وأنقاها، ليُمتحنَ المؤمنون ويُعلمَ الصابرون ويُكشَفَ زيفُ المنافقين، وتُعلَمَ قيمةُ الثبات على الحق والصبر على الشدائد ليأذنَ الله بالنصر والفرج ويُثبتُ الله المؤمنين ويمحق الكافرين..

خرج الجيش المجاهد بألفِ مقاتل من المدينةِ حتى نزل أحد فكانت أولَ الخيانة من زعيمِ المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول الذي انسحب بثلث الجيش قائلاً.. ما ندري علام نقتل أنفسنا.. بأنه صلى الله عليه وسلم ترك رأيه وأطاع غيره بالخروج من المدينة رغم أن الأمر كان شورى وتصويت ومواقف النفاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي مواقف النفاق الدائمة لاسيما في الأزمات وإن تباينت الصور والمواقف والأزمان والجهات يطالبون بالتصويت والديموقراطية فإذا جاءت لغير صالحهم خانوا الأمة في أحلك الظروف وانقلبوا عليها وتعاونوا مع العدو على الإسلامِ وأهلهِ وكادوا لحربِه، هجوم على الخيريِّن ونيلٌ من العلماء والدعاة، بحثٌ عن المعايب، إغفالٌ للحسنات،وغمطٌ للحق، مصادرةٌ للحقوق وتناقض عجيب بالمواقف بل هم عملاء للسفارات!! (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنَّا معكم إنما نحن مستهزئون) وقوفٌ مع أهل الباطل وتجاهلٌ للجهودِ، وتشويه السمعة وقذف النيات والمؤلفات، وتحميل المقاصد مالا تحتمل.. المنافقون منذ يوم أحد ولازالوا إلى اليوم يُمارسون شرهام بعداوةٍ للدين وأهله بمكرٍ وكيدٍ يظهرُ أيامَ الفتن والأزمات بعد أن أخفوه قبلها.. وإن زعموا أنهم مصلحون!!وهذا من حِكَمِ الأزمات.. ليَمِيزَ الله الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ!

أما مشركوا قريش فاستعدوا بثلاثة آلاف مقاتل واصطحبوا نساءهم وعبيدهم وجواريهم بعد أن تميّز المسلمون بسبعَمائة مقاتل وعسكروا بالشعب جاعلين ظهورهم إلى الجبل ووزع عليه الصلاة والسلام الرماة على الجبل وأمَّر عليهم عبدَ الله بن جبير في خطةٍ مُحكمةٍ رائعة وكانوا خمسين رجلاً وقال لهم..((وإن رأيتمونا تخطّفنا الطير فلا تبرحوا أمكانكم،وإن رأيتمونا هزمناهم فلا تبرحوا مكانكم))رواه البخاري..وفعل السبب فظاهر هو نفسه بين درعين وتخيّر من الأقوياء من يكونوا في مقدمة الجيش.. أمسك صلى الله عليه وسلم بسيفٍ ثم قال[من يأخذ هذا السيف بحقه؟فأحجم القوم فقال أبو دجانة..وما حقّه يا رسول الله؟ قال أن تضربَ به العدو حتى ينحني، قال..أنا آخذه بحقه فأعطاه إياه، وقاتل فأمعن في الناس قال الزبير..فجعل لا يلقى أحداً إلا قتله ورأيته حمل السيف على رأس هند بنت عتبة فعدل عنها قائلاً..أكرم بسيف رسول الله أن أضرب به امرأة!.. رواه مسلم لاحظ لم يضرب امرأة وهو بقتال!! هذه أخلاق الجهاد في الإسلام وليس الغلو والتشويه الذي يمارسه اليوم من يدّعون الجهاد سبياً وقتلاً وخيانة وترويعاً!!

وبدأت المعركة المشركون بحقدٍ دفين هم ونساؤهم بعد هزيمة بدر والمؤمنون بتوجيهاتِه صلى الله عليه وسلم ورفعٍه للمنعويات حتى كان شعارهم يوم أُحدٍِ أمت أمت فاقتتل الناس حتى حميت الحرب، وقاتل حمزة بن عبدالمطلب حتى قَتل منهم الكثير مثل الجمل الأورق لا يلقاه أحدٌ إلا قتله وكان وحشيٌ يترصّدُ به يريد إغتيالَه ففي ذلك عتقُه من العبودية ووزنُه ذهباً كما وعدوه، يقول.. فلما رأيتهُ هززتُ حربتي حتى رضيت عنها ثم دفعتها إليه فوقعت في بطنه حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوي فغُلب فوقع.. وسقط أسد الله وأسد رسوله بقتله غيلة بعد أن أسلم و هاجر وعاش حامياً للدعوة ومنافحاً عنها حتى استطاع المسلمون ورسول الله في مكة أن يُظهروا الإسلام.. ومع خسارة حمزةَ ظلّ الجيش مسيطراً على الموقف برمته فحمل اللواءَ مصعبُ بن عمير الصحابي الداعية حتى اُستشهد فحمله بعده علي بن أبي طالب واستبق المهاجرون والأنصار في ميدان الشرف وبَذلت قريش أقصى جهدها لتهزمَ المسلمين ولكنها أحست بالعجز وانكسرت همّتُها أمام ثباتهم..وكانت الهزيمة لا شك فيها.. و ممن قُتل عمرو بن الجموح الذي كان أعرجاً فأقسم أن يطأ بعرجته الجنة فلبّى الله قسمه ..

ولما رأى الرماة هذا النصر عصوا أمره صلى الله عليه وسلم و مالوا إلى العسكر وخلوا ظهورَهم للخيل فأُتي المسلمون من خلفهم، وزادَ المسلمين همّاً حين صُرخَ بأن محمداً قد قُتل فانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدو فكان يومَ بلاءٍ وتمحيص حتى وُصِلَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَرُميَ بالحجارةِ حتى وقع لشقِّه، فأصيبت رباعيته وشُجَّ في وجهه وجُرحت شفته ودخلت حلقات المغفر في وجهه، فأكب عليه أبو عبيدة ينزعها بفكيه فما أخرجهما إلا وقد سقطت ثنيتاه ونزف الدم بغزارة وجعل الدم يسيل على وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم وجعل يمسح الدم وهو يقول..[كيف يُفلح قوم خضّبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟] هذا وهو رسول الله المعصوم المنصور من ربه أصابه ذلك فما بالكم بمُصاب المسلمين اليوم

ويمرُّ أنسُ بنُ النضر بالمسلمين أثناء القتال فيقولون له.. مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول.. فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه.. وأنس لم يشهد بدراً فكان يُقسم ((والله لئن أراني الله مشهداً ليريَنّ الله ما أصنع فكان يقول في أحد واهاً لريح الجنة وإني لأجدُ ريحها دون أحد))فقاتل حتى قُتل وفي جسده بضع وثمانون جرحاً ولم تعرفه إلا أخته ببنانه.

وفرّ بعض المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم يقول..((من يردُّهم عنا وله الجنة)) فبرزت حينئذٍ بطولةُ الصحابة رضوان الله عليهم فاجتمعوا حولَه صلى الله عليه وسلم ينافحون عنه وكان يناديهم عليه الصلاة والسلام ويقول إليَّ عباد الله إليَّ عباد الله فترّس أبو دجانة نفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبلُ يقع في ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دونه صلى الله عليه وسلم وهو يناوله النبل ويقول..ارم فداك أبي وأمي ((و ما قالها لأحدٍ غيره)) وروى الحاكمُ بمستدركه أن عمرَو بنَ أقيش خرج إلى أحد وكان كارهاً للإسلام فمنعه المسلمون فقال..قد آمنت فقاتل حتى جُرح فجاءه سعد بن معاذ فسأله عن سبب قتاله حميةً أو غضباً لله فقال غضباً لله ورسوله فمات ودخل الجنة ولم يصل أبداً.. ولما عرف المسلمون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حياً نهضوا به نحو الشعب..معه أبو بكر، وعُمر، وعلي, والزبيرُ بن العوام والحارثُ بن الصمة، وطلحةُ بن عبيد الله الذي أبلى بلاءً يوم أحد حتى عرف ذلك اليوم به فكان يرفعُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثم يقاتل المشركين ثم يأتيه فيرفعه نحو الجبل ثم يعود للقتال حتى سمي.. طلحةُ الشهيد الحي وقال عنه صلى الله عليه وسلم.. ((أوجبَ طلحة))أي وجبت له الجنة.. ولما أُسند رسول الله في الشعب أدركه أبيُّ بن خلف وهويقول.. [محمد!! لا نجوتُ إن نجوتَ].. وكان بمكة يُهدِّدُ رسول الله لأقتلنك يا محمد فيقول له..بل أنا قاتلك إن شاء الله! فقال عليه الصلاة والسلام.. للقوم دعوه، فلما دنا تناول صلى الله عليه وسلم الحربة فهزّها حتى انتفض الصحابةُ من حوله ثم استقبله فطعنه في عنقة طعنةً تدحرج منها عن فرسه مراراً.. وبعد نهاية المعركة وقعت هند بن عتبة والنسوة اللاتي معها يُمثّلن في القتلة وبُقرت كبدُ حمزة ومُثِّلَ بالصحابةِ بينما عائشة وأم سليم رضي الله عنهما تقومان بسقي الجرحى بعد تراجع المسلمين وكذلك أم عمارة وحمنة بنت جحش كما رواه البخاري ومسلم في دور واضح للمرأة المسلمة في أحد وهو دور يتكرّر للمرأة ببطولات ومواقف يشهد له التاريخ إلى اليوم ..

وخرج صلى الله عليه وسلم يلتمسُ حمزة فوجده مُمثّلاً به في بطن الوادي فحزن لذلك شديدآ وأمر به فَسُجِّىَ ببُردة وقال عليه الصلاة والسلام..((لولا أن تحزنَ صفية وتكونَ سُنةً بعدي لتركته حتى يكونَ في بطون السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش لأمثّلن بثلاثين رجلاً منهم)) فنزل قول الله تعالى ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ))فصبرعن المُثلة وقال صلى الله عليه وسلم..((جاءني جبريل فأخبرني أن حمزةَ مكتوبٌ في السموات السبع حمزةُ بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله)) وكانوا يأتون بالقتلى ويجمع الرجلان في ثوب واحد وقُدّم عند الدفن أكثرهم حفظاً للقرآن، وأَمر بدفنهم في دمائهم ولم يُغسّلوا ولم يُصلِّ عليهم – على الصحيح- وفي غمرة هذا الحزن العظيم قال صلى الله عليه وسلم..((من ينظرُ لي ما فعلَ سعدُ بن الربيع)) فقام زيدُ بن ثابت يبحث عنه فوجده جريحاً في القتلى به رمق فقال له..إن رسول الله يسألُ عنك و يُقرؤك السلام ويقول كيف تجدك؟اسمعوا أيها الأحبة!! فقال سعد..أنا في الأموات وإني لأجدُ ريحَ الجنة فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له..إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خيرما جزى نبياً عن أمته، وأبلغ قوميَ الأنصار السلام وقل لهم.. إنه لاعذر لكم عند الله إن خُلِص إلى نبيكم عليه الصلاة والسلام وفيكم عين تطرف، ثم لم يبرح أن مات فاستغفرله صلى الله عليه وسلم ..الله أكبر أية أرواح تلك عرفت معنى الجهاد المقترن بالعقل والعلم!

وممن شهد له صلى الله عليه وسلم في أحد عليٌّ بن أبي طالب وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف رضي الله عنهم..وقال صلى الله عليه وسلم.. حينما أشرف على القتلى يوم أحد..((أنا شهيد على هؤلاء أنه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا ويبعثه الله يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون دم والريح ريح مسك))رواه البخاري.. ونادى عليه الصلاة والسلام في الناس ليخرجوا إلى عدوهم وقال.. ((لا يخرج معنا إلا من شهد القتال في أحد)) فاستجابوا للرسول من بعد ما أصابهم القرح و ذهب صلى الله عليه وسلم والصحابة معه وعسكروا في حمراء الأسد ثلاثة أيام إرهاباً لقريش التي كانت تفكر بالذهاب للمدينة لكنها رجعت إلى مكة.. ثم انصرف عليه الصلاة والسلام راجعاً إلى المدينة بعد أن أَمَر علياً أن يلحق بالمشركين.. وكان صلى الله عليه وسلم مهموماً حزيناً يمرُّ ببيوت الأنصار فسمع حزنَ نسائهم فتأثروقال..((ولكن حمزة لا بواكي له)) فبكت نساء الأنصار يومئذٍ حمزة عزاءً للنبي لكنه صلى الله عليه وسلم نهى عن البكاء والنياحة كارهاً لها.. مرعليه الصلاة والسلام كما يروي ابنُ اسحاق بامرأة من بني دينار هي السمراء بنت قيس أثناء رجوعه فقالوا لها..مات أخوك فقالت لهم ما فعل رسول الله؟فقالوا لها..مات أبوك فقالت لهم ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟فقالوا لها..مات زوجك فقالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قالوا خيراً يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت..أروني حتى أنظر إليه فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت..كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله تريد أنها صغيرة ..

إنها صورٌ قوية فارعةٌ للبطولة والتضحية اصطدم بها الكفر في أول المعركة وآخرها، فماد أمامها واصطريت من تحت أقدامه الأرض، فما ربحَ شيئاً في بداية القتال ولا انتفع بما ربح آخره، وهذه البطولات مسطّرةٌ في التاريخ تنتظر من يلقي عليها الضوء لهؤلاء الصحابة الأبرار الذين لايأخذون الجهادَ عاطفةً أو إثارةً للفتن في البلدان وإزالةً للأمن وقطعاً لرؤوس الأبرياء وقتلاً للأنفس بلا ضوابط بل يُعدّون العدةَ اللازمة ويطيعون الأوامر ويلتزمون النصائح ويحافظون على بناء الأمة ((وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ*أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِين)أقول ماتسمعون..

الخطبة الثانية الحمد لله و حده و...... و بعد..

واعلموا أن من دروس غزوة أحد أن شؤم المعصية من أسباب ضعف الأمة.. فإن معصية أمر الله وأمر رسوله ولو كان من الصحابة سببٌ لآثار يوم أحد وشؤمُ المعصية يشمل الجميع ولذلك قال الله((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ومعركة أحد تركت آثاراً غائرة في نفسه صلى الله عليه وسلم ظلّت تلازمه لآخرِ حياته فصلى على قتلى أحد بعد ثمان سنوات كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر فقال..((إني بين أيديكم فرط و أنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا،وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها، قال الراوي..فكانت آخرَ نظرةٍ نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم))متفق عليه.. وقد نزلت في أحد ثمان وخمسون آيةً بسورةِ آلِ عمران تبدأُ بقوله تعالى ..(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ) وكانت تضحيات الصحابة في الدفاع عن الدين وعن رسول الله عظيمةً فواجبٌ حفظ حقِّهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والدفاع عنهم ضد تشويه الفرق الضالة لهم.. كماعلى الأمة أن تعلم أن الإيمان بهذا الدين يجب أن يصاحبه يقين تام بنصر الله جلّ وعلا لهذا الدين وتمكينه رغم المصاب المؤلم في كل مكان((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)) رأينا بأُحد يقيناً تحتاجه الأمةُ في ساعات الشدة وأوقات الكرب يوم تدلهمُّ الخطوب ويتسلط الأعداء والمنافقون كما في عددٍِ من بلداننا اليوم حين تُقلب الحقائق ويُزالُ الحق ويتسلطُ الظالمون وإعلامٍ عربيِّ الحرف واللغة صهيونيُّ الهدف حربٌ على الإسلام والمسلمين ودولهم بترويج الشائعة والأكاذيب والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون! والدعاء أعظمُ الوسائل في الأزمات.. روى البخاري بالأدب المفرد لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ،قَالَ صلى الله عليه وسلم.. "اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِيَ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفًا، فَقَالَ..اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لا يَحُولُ وَلا يَزُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْحَرْبِ، اللَّهُمَّ عَائِذًا بِكَ مِنْ سُوءِ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ مِنَّا ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلا مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَيُكَذِّبُونَ رُسَلَكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ،إِلَهَ الْحَقِّ"ثم ركب فرسه ورجع المدينة..فاتقوا الله عباد الله ارجعوا إلى سيرة نبيكم صلوات الله وسلامه عليه واستلهموا منها الصبر لحاضركم والدروس لواقعكم وثقوا بنصر الله رغم كل شيء واسألوا الله من فضله ورحمته.. اللهم إنا نسألك نصراً مؤزراً للإسلام و المسلمين بالشام والعراق فك أسرهم وحصارهم واحمِ أعراضهم وديارهم وخفّف مصابهم واكفهم شرَّ عدوك وعدوهم وأدر الدائرة على كل طاغية وجباريا عزيز ياقهار يارب العالمين..اللهم انصر جندنا المرابطين وأدم علينا الأمن والإيمان، والسلام والاطمئنان على بلدنا وسائر بلاد المسلمين.. وصلى الله و سلم وبارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين


 0  0  1070

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.