• ×

05:56 صباحًا , الجمعة 9 ذو القعدة 1445 / 17 مايو 2024

يحبهم ويحبونه

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحمد للهِ رَبِّ العِبَادِ،وَأشهدُ أَن لا إِلهَ إِلا الله وَحدهُ لا شُرَكَاءَ لَهُ وَلا أَندَادَ، وَأَشهدُ أَنَ مُحَمَدًا عَبدُ اللهِ وَرسولهُ،صَلى الله وَسلَمَ وَبَاركَ عَليهِ وَعَلى آلهِ وَصَحبِهِ إِلى يَومِ المعَادِ أما بعد فاتقوا الله عباد الله قالَ صلى الله عليه وسلم..((مَن عَادى لِي وَلياً فَقد آذنتهُ بِالحربِ،وَ مَا تَقَربَ إِلى عَبدي بِشيءٍ أَحبُّ إِلىَّ مِمَا اِفترضتُهُ عَليهِ،وَمَا يَزالُ عَبدي يَتَقربُ إِلىَّ بِالنَوافِلِ حَتى أُحبهُ فِإذَا أَحبَبَتُه كُنتُ سَمعهُ اَلذي يَسمعُ بِهِ، وَبَصرهُ الذي يُبصِرُ بِهِ،وَيَدهُ اَلتي يَبطِشُ بِهَا،وَرِجلَه التي يَمشي بِها، وَلئن سَأَلني لأَعطينّهُ،وَلِئن اِستعَاذَني لأُعيذَنَّه))رواه البخاري .

أَيُّهَا المؤمنُونَ..في وقتِ غفلتنا وانشغالنا بالدنيا نُقَوِّي إِيمانَنَا بمَحبةِ اللهِ تعالى لأن من عاشها نَعُمَ وسَعُد بها وهان عليه مايجده لأجلها !!..فهي مَنَزِلَةٌ عُليَا وَمَرتَبَةٌ عُظمَى وتوحيد شَمّر لأجله المتسَابِقُونَ..هي قُوتُ القُلُوبِ..وَقُرةُ العيونِ..مَنْ رُزِقْهَا ذَهَبَ بِشَرَفِ اَلْدنَيا وَالآخرةِ..وَمَن حُرِمَهَا فَهُوَ فِي اَلْظُلُمَاتِ..دَلت عَليَهَا اَلفطرَةُ السَوية،وَجُبِلَت عَليهِا اَلْنفُوسُ اَلْزَكِية..وَتَنَزّلَت بِهَا اَلكُتُبُ السماويّة..وَدَعَت إِليهَا اَلْرُسُلُ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ))وَكَيفَ لا؟وَمَا مِن نعمةٍ فِي اَلوجُودِ إِلا وَرَبُنَا مُسديهَا..وَمَا مِن إِحسانٍ فِي اَلْدنَيَا وَالآخرةِ إِلا وَمَولانَا قَد أَولاه..فهُوَ اَلذي يَرفعُ اَلبَأَسَاءَ وَيَكَشِفُ اَلضَراءَ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ))وقد جُبلت النفوس على حبّ من أحسن إليها لتتعلّق به وتبدأ منه وتنتهي إليه وهل هناك أفضل إحساناً وأكثر إنعاماً من الله سبحانه!!فهو أَكرمُ الأَكرمينَ وَأَجودُ الأَجودَينَ،يُعطي قَبَلَ أَن يُسألَ وَيُعطي فَوقَ المؤمَّل..يَشكرُ اَلَقَليلَ مِن العَمَلِ وَيُنَميِّهِ،ويَغفِرُ اَلَكَثيرَ مِن الزَلَلِ وَيَمحُوهُ،يُحِبُ الملحِّينَ عليه..وَمَن لَم يَسأَلهُ يَغضب عَليهِ،يَسترُ عَلى عَبدهِ ويرحمُه وَالعَبدُ لا يَسترُ عَلى نَفسهِ..أَرسَلَ لِهدايَتِهِ اَلْرُسُلَ، وَأنزلَ مِن أَجلهِ الَكُتُبَ،ويَنزِلُ سُبحَانهُ كُلَّ لَيلَةٍ وَيُنَادي كَمَا بالحديث ((هَل مِن سَائِلٍ فَأُعَطِيهُ،هَلَ مِن مُستَغفِرٍ فَأَغَفِرَ لَهُ،هَلَ مِن دَاعٍ فَأَسَتَجِيبَ لَهُ))..فَمَن أَحقُ بِالحبِ وَأَحرَى باَلْرَجَاءِ فِي عَفوِهِ وَمَغفِرَتِهِ مِن اَلبَرِّ اَلْرحيمِ؟مَن أَحقُ بِالحمدِ؟!وَمَن أَحقُ بِالذكرِ وَاَلْشُكرِ؟!هو أَجودُ مَن سُئِلَ..وَأَوسَعُ مَن أَعطَى..بَرٌّ رحيمٌ بِعِبَادِهِ مَن غَضَبهِ وَأَليمِ عِقَابِه

يا منزل الآيات والفرقان

بيني وبينَك حرمةُ القرآنِ

أنت الذي صوّرتني وخلقتني

وهديتني لشرائع الإيمان

فلك المحامدُ والمدائح كلها

بخواطري وجوارحي ولساني



عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال..قُدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسبي فَإِذَا اِمرأَةٌ مِن اَلْسبيِّ تَسَعَى لاهِثَةً تَبحَثُ عَن وَلَدِهَا حَتى إِذَا وَجَدَت صَبيّهَا فِي اَلْسَبيِّ أَخذتُهُ فَأَلزَمَتُهُ بِبَطِنِهَا فَأَرضَعَتهُ.. فَتَعَجَبَ اَلْصَحَابَةُ مِن رَحمتها بِولدِهَا فَقَالَ..رسول الله صلى الله عليه وسلم..((أترونَ هَذِهِ المرأَة طَارِحَةً وَ لِيدَهَا فِي النَارِ؟فَقَالوا..لا وَالله!!فَقَال..فَاللهُ أَرحَمُ بِعِبَادِهِ مِن هَذِهِ بِوَلَدِهَا))متفق عليه ..

لَـكَ الـحَمدُ وَالنَعماءُ وَالمُلكُ رَبَّنا

فَـلا شَيءَ أَعلى مِنكَ مَجداً وَأَمجَدُ



فَـسُبحانَ مَن لا يَعرِفُ الخَلقُ قَدرَهُ

وَمَـن هوَ فوقَ العَرشِ فَردٌ مُوَحَّدُ

تُـسَبِّحُهُ الـطَيرُ الجَوانِحُ في الخَفى

وإِذ هِـيَ فـي جَـوِّ السَماءِ تُصَعِّدُ

أَيها المسلمون..هَذِه اَلمَحَبةُ اَلساميةُ للهِ،وَهَذَا اَلْرَجَاءُ به تُغذيهِ شُعبُ الإِيِمانِ وَتُنَمِّيهِ تقلبات الحياة بَينَ سرَّاء غَامِرة،وَضَرّاء مُدبرةٍ،وصبرٍ وَمصابَرة فالله سبحانه يُحِبُ المتقينَ واَلمحسنينَ،وَيُحبُ اَلصَابِرينَ، وَهُوَ يُحِبُ التَوابينَ والمتطهرينَ،وَيُحِبُ المتوكلينَ وَيُحِبُ الذينَ يُقَاتِلونَ فِي سَبيله صَفاً كَأَنَهُم بُنيانٌ مَرصُوص،وَأَحبُ الأَعمَالِ إِلى اللهِ الصَلاة، وَيُحِبُّ مِن العَملِ مَا دَاومَ عَليهِ صَاحِبهُ وَإِن قَل،وَيُحبُ أَن تُؤتَى رُخصهُ كَمَا يُحِبُ أَن تُؤتَى عَزائِمهُ،وَهُوَ سُبحَانهُ لا يُحِبُ الفَسَادَ وَلا الكَافرينَ وَلا الظَالِمينَ وَلا المعتَدِينَ ولا مَن كَانَ مُختَالاً فَخُوراً.. وَلا مَن كَانَ خَوانَاً أَثَيمَاً(( ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)فحُبُّ اللهِ لا يَنَالُهُ إِلا المصطَفُونَ مِن عِبَادِه..وَالتَلذُذُ بِحُبِ اللهِ لَيسَ مُتَاحَاً لِكُلِ أَحد، لَكنهُ فَضلٌ يَتَخيرُ اللهُ لهُ مَن يَشاء((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))فالله لا يُضيعُ زُلفَى مَن تَودَّد إِليهِ وَرَجَاهُ وَهُوَ يُعطي مَن تَعرضَ لِعَطَائِه وَرِضَاهُ،وَيهَبُ الخيرَ للأَيدي الممتدةِ إِليهِ لا تَرجو سِواه..قال صلى الله عليه وسلم..يقول الله عز وجل..((مَن جَاءَ بِالحسنَةِ فَلهُ عَشرُ أَمثالِهَا أَو أَزيد،وَمَن جَاءَ بِالسيئةِ فَجزاءُ سَيئةٍ سَيئةٌ مِثلُهَا أَو أَغفرُ،وَمَن تَقرّبَ مِني شِبراً تَقَربتُ مِنهُ ذِراعَاً،وَمَن تَقربَ مِني ذِرَاعاً تَقربتُ مِنهُ بَاعَاً،وَمَن أَتَاني يمشي أَتيتهُ هَرولة،ومَن لَقيني بِقُرابِ الأَرضِ خَطيئةً لا يُشركُ بِي شَيئاً لَقيتُهُ بِمثلِهَا مَغفرة))رواه مسلم .

مَن أَحبَّ الله رضيَ اللهُ عَنهُ وَغَفرَ لَهُ الخطَأَ وَالعِصيان مع التقصير.. أَمَا مَن أَدبَرَ وَتَولّى فَله الطردُ وَالهوانُ فَحُبُّ اللهِ بِمقَدارِ القُربِ وَالبُعدِ مِنه وفعل أوامره وترك نواهيه..وَحُبُّ اللهِ حُبٌ لأَوليَائِهِ وَدُعَاتِهِ الصَادِقينَ وحبُّ لشعائره..فمن أحب التوحيد والصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد استحق محبة الله وغضب الله على من عاداها وكرهها فالمؤمن يَعيشُ فِي أَرضِ اللهِ سِلْماً لأَوليائِهِ حَربَاً عَلى أَعدائِهِ(( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ))بل هم (( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ))..وإِذَا قَويَ حُبُّ العَبدِ لربه سُبحانه الذي خلقه ورزقه فسيُجيبُ كُلَّ مَن يَقُومُ بِحَقِ اللهِ فِي عِلمٍ أَو عَملٍ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً))وهذا الحب ليس شِعَارَاً أَجوف لكنه إِخَاءٌ رُوحيٌ وَتَعَاقدٌ عَلى الوَفَاءِ بِتَعَاليمِ الإِسلامِ وَتَحكيمِ شَرائِعهِ وَإِبلاغِ هِدايتهِ..وَهُو سبب ليرسّخ باَلمجتَمع أنّ إخَاءَ اَلعَقِيدةِ يقوم مَقَامَ إِخَاءِ النَسَبِ،((لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ))

إِنَ أَواصِرَ الحبِ الصَادِقِ المنطلق من حب الله ورسوله..إِخوتِي هِيَ التي جَمَعت أَبَناءَ الإِسلامِ فِي بِدايتهِ..وَهي التي أَقامت دَولتهُ وَرَفْعَت رايتهُ.. وفيهَا جَاهدت الأُمة وصبرت وَصَابرت..إِخَاءٌ وودٌ قَائِم على الإيمانِ بِالله.. وَتَرابطٌ يَشُّدهُ حَبلُ اللهِ(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً))فمدينة رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم احتضنت الإِسلامَ وَأهلَهَا المهاجرينَ عَلى حُبِ اللهِ فَكَانَ الإِيثارُ وَالسَماحةُ والنَدى.. وَالمساواةُ وَالمواساةُ..فَشاعَ الحبُ وَنَبَتَ الاحترامُ وَسَادت التَضَحيات وتلاشت العصبيات.. ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) وهذا من ثمرات الحب.. حبٌ في الله وَلَيسَ إِخاءَ المنَافِعِ الزَائِلَةِ وَالغَايَاتِ الدنيةِ، وَبِتَوفيقِ اللهِ اِستطَاعَ بهم صلى الله عليه وسلم بِنَاءَ قَواعِدِ المجتَمَعِ المسلمِ وَحَطّم كِبريَاءَ الشِركِ وَقَواعِدَهُ فِي الجزيرةِ وخَارجَهَا.

أيها المسلمون..مِن لَوازِمِ حُبِ اللهِ حُب أَوليائِهِ وَدُعَاتِهِ عَبرَ تَاريخِ الإِسلامِ ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا)) حبٌ يتغاضى عن الخطأ ويبتعد عن الاتهام والتصنيف ويفرح بالإنجاز ويعذر ويصفح..فكم مِن إِمَامٍ نَحريرِ وَعَالِمٍ فَذٍ وَعَابدٍ صَالِحٍ لَم نَر أَشخَاصهم وَلا صُورَهِم طُويت قُلوبُ الأَمةِ عَلى مَحبتهِم وَالحماسِ لَهم وَلأَمثَالِهم وَللمجيدِ مَن تَاريخهِم وَتَضحيَاتِهم..وَصَلنَا بِهم الدينَ،ووثقَّنا بِهم الحبُّ في اللهِ وَعَرفتَ الأُمةُ تَاريخَهُم وَتَضحيَاتِهم.أحمدُ بن حنبل رحمه الله يَبقَى تَاريخهُ شَاهِداً بما لاقاه وَتضحيتهُ في الأُمةِ محفوظة فخَرجت بَغدَادُ كُلُّهَا وَرَاءَ جَنَازتهِ وَموعدنا يوم الجنائز..والإِمامُ البُخَاري رحمه الله يَضيقُ عَليهِ بَلدهُ فَيخرجُ مِنهَا فَينشرُ عِلمَهُ في بِلادِ اللهِ الواسعةِ فَكَانَ أَبَا عَبدِ اللهِ البُخَاري الذي كَرمَتهُ الأَمصارُ وَالأَعصارُ مُنذ ظَهَرَ إِلى بَقيةِ الدهر..وَهَكَذا شَيخُ الإِسلامِ ابن تَيميةَ رَحِمَهُ الله الذي أَحيَا اللهُ بِهِ مَذهبَ أَهلِ السُنَةِ وَالجمَاعَةِ فَكَانت كُتُبُه وَلا تَزالُ مَرجِعَاً وَذِكراً وَإِثبَاتَاً لِحُسنِ مَنهَجِهِ بالرغم مِمَا لقيهُ رحمه الله في حياتِه..وغيرهم من أَئِمَةِ الإِسلامِ كَمَالِكٍ وَالشَافَعيِّ وَأَبي حَنيفةَ وَالنَووي وَابن عَبدِ الوهَابِ وابن سعدي وابن باز وابن عثيمين وغيرهم فَالأُمَةُ فِي سَلَفِهَا وَخَلَفَهِا تَلتَفُ حَولَ رِجالاتِ الإِسلامِ مِن الأَئمةِ الذينَ أَنَاروا الطَريقَ بِالعلمِ وَالصَلاحِ وَالجهَادِ،وَحَبَّبَوا إِلى النَاسِ رَبَهُم وَشَرحوا صُدورهُم بِذكرهِ ودافعوا عن شريعته وتعاليم دينه.. نُذكِّرُ بِهَذا وَنَحنُ نَرى تشويهاً للإسلام وحرفاً لمسيرته بالهجوم عَلى شعائرنا وبَعضِ عُلمَائِنَا وَرُموزنَا الشرعيةِ لأَنهُم اِحتسبوا كَلِمَةَ الحقِ أو ممن يُهَاجِمونَ الدينَ وشعائره وينالونَ مِنه لأنهم عادوه ولم يفهموه.. وهذا يؤكد أهمية دور العلماء بالنصح نَسألُ اللهَ أَن يَهديَ ضَالَّ المسلمين..

أيُّها الأحبة..ليست محبةُ الله بإعلانِ تطبيقِ شرعه ظاهراً والتمظهر بالدين ومخالفته واقعاً وخلقآ وتعاملآ وتحريفاً لشعائره فإِن مِن تَمَامِ مَحَبةِ اللهِ مَحَبةُ مَا يُحبهُ وَكَراهةُ مَا يَكرههُ وتطبيق شرعه بحق فَمَن أَحبَ شيئاً واللهُ يكرههُ أَوكَره شَيئاً مِمَا يُحبهُ الله لَم يُكمل تَوحيدهُ وَلَم يكن صادقاً، وَكَان فِيهِ مِن الشِركِ الخفيِّ بِحَسَبِ كُرهه مَا أَحبَّه الله وَبِحسبِ حِبهِ لما لا يُريدهُ الله..فكيف يدَّعي محبة الله من يكره أوامره ونواهيه؟!ويوالي أعداء الدين ويبغض إخوانه ويتهمهم؟!

وأَعظَمُ الأَسبابِ الجَالِبَةِ لِمَحَبَةِ اللهِ إقامة حكم الله ونصرة دينه وتطبيق شرعه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وقِراءةُ القُرآنِ بِالفَهمِ وَالتَدَبُرِ،وَالتَقَربُ إِلى اللهِ بِالنَوافِل ِبعدَ الفَرائِضِ((ما تقرَّب إلىَّ عبدي بشيء أحبَّ إلىَّ مِمَا افترضته عليه،ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه))والمداوَمةُ عَلى ذِكرِ اللهِ بِاللسانِ وَالقَلبِ وَالعَملِ مِن أَسبابِ جَلبِ مَحَبَةِ اللهِ..وَكذلك لزوم الجدِّ والصدقِ في تقديم محبة الله على محبوبات النفس..ومداومةُ النَظَرِ فِي نِعَمِ اللهِ وإِحسَانِه وَكرمهِ وَجُودِهِ والصِدقُ فِي الانكسَارِ وَالخضوعِ وَالتَذَللُّ بَينَ يَديهِ وَلزوم صِدقِ المناجَاةِ وَالخلوةِ باللهِ وَتَخيُّرِ الأوقاتِ الفَاضِلةِ وَمُجَالَسةُ الصَالِحينَ،ومُجَانَبَةِ أَسبابِ البُعدِ وَالحِرمَانِ مِن المعَاصي وَالمنكراتِ وَالبُعدِ عَن قُرنَاءِ السُوءِ،فَكُلُ هَذَا مِمَا يَجلبُ مَحَبَةَ اللهِ وَ يُوصِلِ إِلى قُربه.. وبقيام الدين وتطبيقه..تقوم الدول وتنهض وتحقق العدل والتمكين..

آثارُ مَحَبة الله في الدنيا الرجَاءُ فِي عَفوهِ وَمَغفرَتِهِ وَرِضَاهُ بإِتَبَاعِ أَوامرهِ، والخوفُ مِن عِقَابِهِ بِاجتنَابِ نَواهيهِ،قال صلى الله عليه وسلم قال..((إِذا أَحبَّ الله تَعالى العَبد نادى جبريل..إِن اللهَ يُحبُ فُلانَاً فأَحبِبه،فَيُحبهُ جِبريل فينادي فِي أَهلِ السَمَاءِ..إِنّ اللهَ يُحبُ فُلاناً فَأحبوهُ،فَيُحِبه أَهل السَماء،ثُم يُوضع لَهُ القبولُ في الأرض))متفق عليه..اللهم اجعلنا من أحبابك في الأرض والسماء..

هذه إِخوتي بَعضُ آثارُ محبة الله في الدنيا أَما فِي الآخرةِ ((فيقول الله تعالى يوم القيامة..أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلِّي يوم لا ظل إلا ظلِّي))رواه مسلم..فَكُنْ أَخي المسلمُ مِن أَولياءِ اللهِ وَأَحبائِه لِتسعَدَ، فَإِن أَسعدَ السُعداءِ ذَاك الذي جَعلَ هَدفه الأَسمى وغَايتهُ المنشودةُ حُبَّ اللهِ تعالى.

اللهم اجعلنا من المتحَابينَ فِي اللهِ وَ مِمَن يُظلهُم اللهُ فِي ظِلهِ يَومَ لا ظِل إِلا ظِلهُ وَذَلكَ إِخوتي وَاللهِ هُوَ الفوزُ المبين اللهم إنا نسألك حُبكَ وَحُبَّ مَن يُحبك،وَعَملاً يُبلِّغُنَا حُبكَ..اللهُم ما رزقتنَا مِمَا نُحِب فَاجعلهُ قُوةً لَنَا فِيمَا تُحِب،وَمَا صَرفت عَنا مِمَا نُحب فَاجعلهُ انصرَافاً إِلى مَا تُحب،وَاغفرِ اللهُمَ لَنا وَلِوَالدينَا وَلِجميعِ المسلمينَ الأَحياءِ مِنهم وَالميتينَ بِرحمتكَ يَا أَرحمَ الراحمين..

الخطبة الثانية ..

الحمد لله و حده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده .. أما بعد

أيها المؤمنون..من اعتمدَ عَلى مَالِهِ قَلّ،وَمَن اعتمدَ عَلى سُلطَانِه زَلّ،وَمَن اِعتمدَ عَلى عَقلِهِ اختلّ،وَمَن اِعتمدَ عَلى عِلمهِ ضَلّ،وَمَن اِعتمدَ عَلى النَاسِ مَلّ،وَ أَمَا مَن اِعتَمدَ عَلى اللهِ فَلا قَلّ وَلا زَلّ ولا اِختَلّ وَلا ضَلّ وَلا مَلّ..فَإِنهُ اللهُ لا إِله إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَرَازِقُ كُلِّ حَي..يُخَاطِبك يا ابن آدم قَائِلاً ..

تَذكَرْ جَميليَ مُذْ خلقتُكَ نطفةً



و لا تنسَ تصويري و لطفيَ في الَحشَا



وسلّمْ إليَّ الأمرَ واعلم بأنني



أدبِّر أحكامي و أفعلُ ما أشا



العجبُ إخوتي ممن يَتجاهلونَ فَضل الله عَليهم وَقُدرتهُ وَجَبروتَهُ فَيداومُونَ على المعاصي.. ويجاهرون بعداوة الدين وشعائر رب العالمين فيَا أَيُّهَا العَاصي المجاهر يامن تستهزئ بالدين وشعائره يا عاقاً بِوالديهِ..أَيُّهَا المداومُ عَلى نَظرِ المحرماتِ وَاستِعمَالِهَا يامن ضاق صدره واكتأب..ويا من على المعاصي دأب..أَيُّهَا المقصرِ اِلجأ إِلى رَبك بِالتوبةِ والإِنَابةِ وَاللجوءَ.إذا وقع عليك ظلم فقل ياألله .وَإِذا ضَاقت عَليكَ الدُنيَا فَقُل يَا اللهُ وَإِذَا كُنتَ فِي شِدةٍ وَإِذا نِمتَ عَلى فِراشِ المرضِ فَقُل يَا اللهُ وَإِذَا سَألتَ فَاسألِ اللهَ وَإِذَا اِستعنتَ فَاستعِن بِاللهِ وَإَذاَ تَوكلتَ فَتَوكَّل عَلى اللهِ وَاعلم أَن اللهَ لا يُخيبُ ظَنَ عَبدٍ رَجاهُ وَسَيُجيبُ مَن سَألهُ ودعاه وَيتوب اللهُ عَلى مَن تَاب..اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً وعملاً صالحاً وتوبةً نصوحاً وخاتمةً عند الموت.. ترضى بها عنا يا أرحم الراحمين..اللهم انصر جندنا المرابطين و كن لإخواننا المستضعفين في بلاد الشام ومالي وبورما..اللهم عجل بنصرهم..واكفهم شر عدوك وعدوهم يارب العالمين وجنب إخواننا في مصر واليمن وتونس شر الفتن والشقاق والمؤامرات ياذا الجلال والإكرام..وصل الله وسلم و بارك على نبينا محمد وعلى آله...



 0  0  1168

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.