• ×

06:12 صباحًا , الخميس 23 شوال 1445 / 2 مايو 2024

ما أحوجنا لخلق السماحة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الحمدُ لله جعل السماحة منهجاً للأنام،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،يسر شرائعه وبيّن الأحكام،وأشهد أنَّ سيدنا محمَّدًا عبدُه ورسوله،بعثه رحمة للأنام،صلِّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحباته في الأوِّلين والآخرين،وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
ثبَت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال((أيسرُ الدّين الحنيفيّةُ السّمحة))..
شريعةُ الإسلام كلُّها خير ورحمةٌ وعدل ومنفَعة للبشريّة في دنياهم وآخِرَتهم لمن قبِلَها وآمَن بها والتزَمَها، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمةً للعالمين..وقال عنه جلّ جلاله((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ))بعثه الله بالحنيفيّة السّمحَة،رفَع الله ببِعثتِه الآصارَ والأغلال التي [كانت] على الناس ((وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ))
عباد الله..مِنَ الأخلاقِ الإسلاميةِ السَّامِيَةِ العَالِيَةِ التي قَلَّت في الناسِ اليوم خُلُقُ السَّمَاحَةِ،ذلكم الخُلُقُ الجليلُ النَّبيلُ الذي ما اتَّصَفَ به امرُؤٌ إِلاَّ أَجَلَّهُ الآخرون وقدَّرُوهُ وارتاحوا لِلتَّعَامُلِ مَعَهُ وَأَحَبُّوهُ، وما خلا منه أحدٌ إِلاَّ تحاشاه الناسُ وَتَبَرَّمُوا مِنَ التَّعَامُلِ مَعَهُ وَكَرِهُوهُ،بخلق السماحة تحقق الكثير وبدونها تخسر الكثير،وَحِينَ تجِدُ إنساناً سَهلاً مُيَسِّرًا يَتَنَازَلُ عَن حَظِّ نَفسِهِ أَو جُزءٍ مِن حَقِّهِ لِيَحُلَّ مُشكِلَةً هُوَ أَحَدُ أطرَافِهَا أَو لِيَطوِيَ صَفحَةً طَالَ الحَدِيثُ فِيها أَو لِيَتَأَلَّفَ قلوباً ويستطيب نفوساً ويأخُذَ بِخاطِرِهِا وَهُوَ لا يَتَعَدَّى على حَقِّ أَحَدٍ وليس ملحاحاً بِحُقُوقِهِ فَذَلِكَ هُوَ الرَّجُلُ السَّمحُ الهَينُ اللَّينُ،سِمَاتُه السَّمَاحَةُ وَالسُّهُولَةُ،وَحِينَ تجِدُ صَعبًا مُعَسِّرًا يُعَانِدُ وَيُخَاصِمُ كل أحد وَيُمَارِي وَيُجَادِلُ وَيُفَاصِلُ وَيُقَاضِي وَيَتَعَدَّى على حُقُوقِ الآخَرِينَ ولا يُحسِنُ في أَخذِ حَقِّهِ وَلا يَجِدُ المُتَعَامِلُ مَعَهُ مجالاً وَلا مِنهُ تَنفِيسًا فَذَلِكَ هُوَ الذي يخلو من السماحة..
ولنعرف أهمية السماحة وأثرها فلننظر كيف رفع الله الحرجَ عن هذهِ الأمّة فيما أمَرها به ونهاها عنه في الدين ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ))وأخبرنا ربّنا أنه أراد بنا اليسرَ فيما شرعَ لنا((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ))وعندما يتأمَّل المسلم تيسير الشريعةَ يرى السماحةَ فيها جليّة في الأوامر والنواهي التي تخص ربَّ العالمين فإن لم تجد الماء للوضوء فتيمم وعند السفر تقصر الصلاة وعند الحاجة تجمع،والأرض كلها مسجدً وطهوراً وإن لم تستطع أن تصلي قائماً فقاعداً..والمسلمُ إذا نوى الخيرَ وعجزَ عنه فإنّ الله يثيبه على قدرِ نيّته، في الحديث ((إذا مرِض العبدُ أو سافر كتَب الله له ما كان يعمَله صحيحًا مقيما))،وركن الصيام أبيح للمريضِ والمسافِرِ الفطرَ مع القضاء أو الإطعام لغير القادر ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ))وفَرضُ الحجِّ على المسلم في عُمره مرّةً، وكانت فتاوى رسول الله في الحج يقول[افعل ولا حرج]وغير ذلك من مبادئ الدين تبين أن التيسير والسماحة أصلٌ في شريعة الإسلام فالله لا يريد الحرج لنا وهذا الدين يسر[ولن يشادّ الدين أحدٌ إلا غلبه]وخلقُ السماحِة يُقوِّي الإيمانَ في قلب المؤمن ويزيد الثوابَ له من عند الله،ثم تشدُّ أزرَه بإخوتِه،فتكون المحبّةُ والمودّة سائدةً بين أفرادِ المجتمع وهذه من أعظم مقاصد الشريعة..
وَقَد دَعَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّحمةِ لِلرَّجُلِ السَّمْحِ في تَعَامُلِهِ، وَأَخبر أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ،وَأَنَّ السُّهُولَةَ وَاللِّينَ سَبَبٌ مِن أَسبَابِ النَّجاةِ مِنَ النَّارِ،وَأَنَّ اللهَ يُبغِضُ الأَلَدَّ الخَصِمَ،قال عليه الصلاةُ والسلامُ((رَحِمَ اللهُ عَبدًا سمحا إِذَا بَاعَ،سمحًا إِذَا اشتَرَى،سمحًا إِذَا قَضَى سمحًا إِذَا اقتَضَى))، وقال((إِنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ سَمحَ البَيعِ،سَمحَ الشِّرَاءِ، سَمحَ القَضَاءِ))،وقال((حُرِّمَ عَلى النَّارِ كُلُّ هَينٍ لَينٍ سَهلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ))،وَحِينَ خُصَّ البَيعُ وَالشِّرَاءُ وَالقَضَاءُ وَالاقتِضَاءُ بالسماحة فَإِنما هي كنموذج للمعاملات التي تريد قَدرًا كَبيرًا مِنَ السَّمَاحَةِ وَاللِّينِ،وَإِلاَّ فَإِنَّ السَّمَاحَةَ مَطلُوبَةٌ في كُلِّ أَمرٍ وَتَعَامُلٍ وَممدُوحةٌ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ وعلى كُلِّ حالٍ.
أيها المسلمون،من صور السماحة التَّنَازُلُ عَنِ الحَقِّ وَرَفعُ الحَرَجِ عَنِ النَّاسِ،يحرص على مصلحة غيره وإسعادهم وجلب الخير لهم..والتسامح معهم..أخبرنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم أنَّ عبدًا من عبادِ الله أوقفَه الله بين يدَيه،سأله عن حسناتِه فلم يكن إلاَّ قوله إني كنتُ أقرض الناس وآمُر غِلماني أن ييسِّروا على الموسِر ويُنظِروا المعسِر،فقال الله أنا أحقُّ بالتجاوز منك، فتجاوَز الله عنه لأن ربنا هو أكرمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين..ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينصِف من نفسِه قبل أن ينصِف الناس منه. اقتَرَض من رجلٍ بَكرَة صغيرةً، فلما جاء ليستوفيَ المقرِضُ حقَّه قالوا ما وجَدنا إلاَّ رباعًا خيارًا،أي أفضل منها فقال ((أعطوه إيّاه،فإنَّ خيرَكم أحسنُكم قضاءً))وأنس خادِم محمّد صلى الله عليه وسلم،خدمه عشرَ سنين،وإذا قرِّب له الطّعام إن أعجَبَه أكَل،وإن لم يعجِبه لم يعِب ذلك الطعامَ،ولكن قال((لا أشتهيه))فما في خُلقِه فضاضةٌ ولا فُحشٌ ولا سوءُ خلُق صلوات الله وسلامه عليه.يقدِّم ربيعةُ الأسلميّ له وضوءَه فيقول((يا ربيعة، سلني حاجتَك))،لأنّه قدّم له وضوءَه، فقال أسألُك مرافقتَك في الجنّة،فيقول ((يا ربيعة،أعِنِّي على نفسِك بكثرة السجود))يدخل مكّةَ فاتحًا منتصِرًا عاليَ الرأس بنصرِ الله وتأييده، وتجتمع قريش الذين آذوه في الحرم ينتظرون مصيرَهم،فيقول ((يا معشر قريش،اذهَبوا فأنتُم الطلقاء))وكان صلى الله عليه وسلم شَرِيكًا لِلسَّائِبِ بنِ عَبدِ اللهِ في تِجَارَتِهِ قَبلَ البِعثَةِ، وَشَهِدَ لَهُ السَّائِبُ بِذَلكَ في الإِسلامِ حَيثُ قَالَ كُنتَ شَرِيكِي في الجاهِلِيَّةِ، فَكُنتَ خَيرَ شَرِيكٍ، كُنتَ لا تُدَارِيني وَلا تُمَارِيني..
وفي مُسنَدِ الإِمَامِ أَحمدَ أَنَّ عُثمَانَ رضي اللهُ عنه اشتَرى مِن رَجُلٍ أَرضًا فَأَبطَأَ عَلَيهِ، فَلقِيَهُ فَقَالَ له مَا مَنَعَكَ مِن قَبضِ مَالِكَ؟قال إِنَّكَ غَبَنتَني؛فَمَا أَلقَى مِنَ النَّاسِ أَحَدًا إِلاَّ وَهُوَ يَلُومُني،قال أَوَذَلِكَ يَمنَعُكَ؟قال نَعَمْ،قَال فَاختَر بَينَ أَرضِكَ وَمَالِكَ،ثم قال قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((أَدخَلَ اللهُ عز وجل الجَنَّةَ رَجُلاً كان سَهلاً مُشتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقتَضِيًا))،وفي صحيحِ مُسلِمٍ أَنَّ صَحَابِيًا يُدعَى أَبَا اليُسرِ قال كان لي على فُلانِ بنِ فُلانِ الحَرَامِيِّ مَالٌ،فَأَتَيتُ أَهلَهُ فَسَلَّمتُ، فَقُلتُ ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا لا،فَخَرَجَ عَلَيَّ ابنٌ لَهُ جَفْرٌ،فَقُلتُ له أَينَ أَبُوكَ؟قال سَمِعَ صَوتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي،فَقُلتُ اُخرُجْ إِليَّ فَقَد عَلِمتُ أَينَ أَنتَ، فَخَرَجَ فَقُلتُ مَا حَمَلَكَ عَلى أَنِ اختَبَأتَ مِنِّي؟ قال أَنَا وَاللهِ أُحَدِّثُكَ ثم لا أَكذِبُكَ، خَشِيتُ وَاللهِ أَن أُحَدِّثَكَ فَأَكذِبَكَ،وَأَن أَعِدَكَ فَأُخلِفَكَ،وَكُنتَ صَاحِبَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،وَكُنتُ وَاللهِ مُعسِرًا،قال قُلتُ آللهِ،قال الله،قُلتُ آلله،قال اللهِ، قُلتُ آللهِ، قال اللهِ، قال فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ،فَقَال إِنْ وَجَدتَ قَضَاءً فَاقضِني،وَإِلاَّ أَنتَ في حِلٍّ، ثم ذَكَرَ أَنَّهُ شَهِدَ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَقُولُ ((مَن أَنظَرَ مُعسِرًا أَو وَضَعَ عَنهُ أَظَلَّهُ اللهُ في ظِلِّهِ)).
إنها صُوَرٌ للسَّمَاحَةِ،في ذلك الجيل وحتى وقتٍ قريب كان الناس يتفاخرون بخلق السماحة فيما بينهم وفي تعاملاتهم حتى أن القاضي في المجلس الواحد يحل قضايا كثيرة ومن بيته إلى مسجده يحل القضايا بينما اليوم تأخذ قضايا الناس سنواتٍ بلا حل من شدة الخصومة والتلاعب وإشغال المحاكم بالدعاوى الباطلة أو تجد من همّهم الاعتراض على كل شيءٍ ومبادرين بالشكوى وتعطيل الأعمال أو يتخاصم مع كل أحد من الأقارب والجيران والمسجد والعمل حتى يخشاه الناس خوفاً منه واتقاء شرّه..والمشكلة أن البعض يرونه رجلاً ناجحاً يأخذ حقّه في حين أنه يؤذي ويذهب عمره في المطالبات والاعتراضات خلافاً للسماحة!!قال عليه الصلاةُ والسلامُ ((إِنَّ أَبغَضَ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ))،وقال عليه الصلاةُ والسلامُ ((وَمَن خَاصَمَ في بَاطِلٍ وَهُوَ يَعلَمُ لم يَزَلْ في سَخَطِ اللهِ حتى يَنزِعَ))..وَكم تُحرَمُ الأُمَّةُ كَثِيرًا مِنَ الخَيرَاتِ وَكم تُرفَعُ عَنها كَثِيرٌ مِنَ البرَكَاتِ حِينَ يَكثُرُ فِيهَا التَّلاحِي وَتَدِبُّ فِيهَا الخُصُومَاتُ، في الحدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِن بَيتِهِ على أَصحَابِهِ فَقَال ((خَرَجتُ لأُخبِرَكُم بِلَيلَةِ القَدرِ،فَتَلاحَى فُلانٌ وَفُلانٌ فَرُفِعَت))، وَمِن صِفَاتِ المُنَافِقِ أَنَّهُ إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ..وإن أعظم التسامح بعد الحقوق ما يكون في حواراتنا فيما بيننا بتقبل الرأي ومناقشته بهدوء وترك الجدل العقيم أو رفع الصوت والملاججة لاسيما في بيوتنا ومع زوجاتنا وأولادنا وفي قنواتنا وأعمالنا ومع الجميع..
وكنْ رجلًا على الأهوالِ جلدًا

وشيمتُكَ السَّمَاحَةُ والوفاءُ


وإن كثرت عيوبُكَ في البرايا

وسَرَّك أَنْ يَكونَ لها غِطَاءُ

تَسَتَّر بالسَّخَاءِ فكُلُّ عَيْبٍ
يُغطِّيه كما قيلَ السَّخاءُ

ولا ترجُ السَّمَاحَةَ مِن بخيلٍ
فَما في النَّارِ لِلظْمآنِ مَاءُ

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أيها المسلمون، وَلْنُوَفِّرْ أَوقَاتَنَا التي كثيرًا ما تَضِيعُ في المُخَاصَمَاتِ وَالمُنَازَعَاتِ، وَلْنَحفَظْ أُخُوَّتَنَا وَطَيِّبِ علاقاتِنا بِتَعمِيمِ رُوحِ السَّمَاحَةِ فِيمَا بَينَنَا، وَلْنُكنْ لَينِينَ سَهلِينَ مَعَ إِخوانِنا إِيثَارًا لِمَا هُوَ أَغَلى وأبقى عِندَ رَبِّنَا، وَلْنَصبرْ على ذَلِكَ، وَلْنُجَاهِدْ أَنفُسَنَا، فَقَد صَحَّ عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ ((الإِيمَانُ الصَّبرُ وَالسَّمَاحَةُ))، فَالصَّبرُ على الطاعة لله وعلى أقدار الله،وَالسَّمَاحَةُ علاقةُ العَبدِ بِأَخِيهِ؛وتَقتَضِي قَدرًا كَبِيرًا مِنَ الصَّبرِ وَالتَّحمُّلِ..لنتمثل السماحة في أخلاقنا وتعاملاتنا فالإسلام ليس مظاهر وشعاراتٍ بقدر ما هو فهم معانيه وإقامة تعامله..
وَإِنَّ مِن الخطأ وصف المُتَسَامِحَ بِالعَجزِ عَن أَخذِ حَقِّهِ،وبِالخَوفِ مِنَ النَّاسِ وَخَشيَةِ شَرِّهِم،من القَوِيُّ الصَّابِرُ وَاثِقٌ بِأَنَّ مَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأَبقَى فمنهم يختَارُ مَا عِندَ اللهِ، وَيَتَسَامَحُ مَعَ عِبَادِ اللهِ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ))ألا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المسلمون،وتحلَّوا بِالسَّمَاحَةِ،وَجَاهِدُوا أَنفُسَكُم على الاتِّصافِ بها،أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية ....الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده وبعد....
عباد الله..التيسير في الدين مبدأٌ عظيم وفهم كبير لا يتقنه إلا العلماء الراسخون الذين فهموه وعرفوه فحين يكون العالمُ راسخاً يطرح القول الفقهي من خلال هذا المبدأ العظيم ويختاره من النصوص التي يعرفها وحين تكون بضاعة العلم قليلة يلجأ صاحبها للتشدّد لتغطية نقص علمه،بل قد يضل بعضهم إلى أن يُشدّد على عباد الله بالتحريم والتبديع والتضليل،بل والتكفير عياذاً بالله..وهذا من الغلو في الدين..وكما أن الدين وتعاليمه وأحكامه ليس خاضعاًَ للأهواء والأمزجة فيجب أن نفرق بين قول صحيح يدعمه الدليل وبين قولٍ آخر ليس له دليل قويٌّ يدعمه..فلا نطلق على حكم بالشدّة والدليل من القرآن والسنة يؤيده فهذا لا يجوز وفيه اعتراض على حكم الله وقول رسول الله..ومن السماحة أيضاً أن نحترم آراء المذاهب الأخرى وأقوال علمائهم ولانُسفّهها لأننا نخالفها..والمؤمن الصادق من يتبع الحق أنّى وجده ويتعامل مع مخالفه باللين والسماحة وليس بالضعف والتنازل..أما أولئك الذين يتعاملون مع الناس بالشدّة ومع العصاة بالغلظة،ويرون ذلك قوّةً في الدين ويرون أن اللين معهم ضعفٌ فإن تعاليم الدين لاتؤيدهم وفعل رسولنا صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح وعلماؤنا الأجلاء تخالفهم وبعضهم يشوّه الدين بتعامله فيُشدد في أمرٍ واسعٍ ويُضيّقُ على الناس،ولقد رأينا نتائج الرفق واللين والسماحة تسبق بقوّة وتؤثر في هداية الناس أكثر بكثيرٍ من شدّةٍ تنفر،ألسنا حتى الآن وسيرة العلامة ابن سعدي وسماحته رحمه الله تطرب لها الألسنة..الشيخ عبد الله القرعاوي يذهب للجنوب داعية فيعامل الناس بالحسنى ليؤثر تأثيراً عظيماً،وكذلك رأينا تعامل ابن باز وابن عثيمين وسماحتهم وكيف كان لهم دورٌ عظيم بالأمة رحمهم الله جميعاً..فهؤلاء ومن قبلهم هم القدوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سماحةٍ ورفقٍ وتيسيرٍ نريد أن تكون شعاراً لنا في تعاملاتنا مع بعضنا
نسأل الله أن يجعلنا من عباده السمحين المتسامحين المتحابين المتعاونين المتكاتفين في السراء والضراء.. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم..اللهم أعز الإسلام والمسلمين،وأذل الشرك والمشركين،ودمر أعداءك أعداء الدين،واجعل هذا البلد آمناً مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين..اللهم انصر من نصر الدين،واخذل من خذل عبادك المؤمنين.اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين،ونفس كرب المكروبين،واقض الدين على المدينين،واشف مرضانا ومرضى المسلمين،برحمتك يا أرحم الراحمين..اللهم كن لإخواننا في سوريا اللهم عجل بنصرهم وتول أمرهم وردهم إلى ديارهم سالمين يارب العالمين..وكن لإخواننا في اليمن
عباد الله..إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر...


 0  0  1760

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.